بحث هذه المدونة الإلكترونية
الخميس، 31 مايو 2018
الثلاثاء، 29 مايو 2018
بابلو نيرودا... البشر
أتذكر ذاك الرجل،
مضى قرنان مذ رأيته
لم يغادر على حصان أو عربة
ولكن ببساطة كان يجتاز
المسافات على قدميه،
لم يكن يحمل سيفاً أو
ترساً،
شِباك فقط على كتفيه،
فأساً أو مطرقة أو
معولاً،
لم يكن يقاتل أحداً من
أشباهه:
كانت إنجازاته في
الماء والأرض،
مع القمح الذي تحول
خبزاً،
مع الأشجار الباسقة تحولت
خشباً،
مع الجدران لفتح
الأبواب،
مع الرمل لبناء
الجدران،
ومع المحيطات لتحمل.
عرفته ولم أمحه من بالي.
تفتت العربات في قطع،
والحرب حطمت الأبواب
والجدران،
والمدينة أصبحت حفنة
رماد،
كل الثياب تحولت إلى
غبار،
وبقي هو لي،
حيّاً في الرمل،
عندما بدا كل شيء من
قبل باقٍ إلا هو.
وفي ذهاب وإياب العائلات
كان أحياناً أبي أو نسيبي
أو ربما كان بالكاد هو
أو لا
الذي لم يعد إلى بيته
لأن الماء أو الأرض
ابتلعته
أو شجرة أو آلة قتلته،
أو أنه كان النجار المحزن
الذي سار وراء التابوت
بلا دموع،
شخص بلا اسم في نهاية
المطاف،
باستثناء تلك التي
للمعادن والأخشاب،
والتي نظر الآخرون
إليها من عل
بدون رؤية ما النملة بالنسبة
لعش النمل
وعندما كانت قدمه بلا
حراك،
لأن المسكين مات من
التعب،
فهم لم يروا أبداً ما
لم يروه من قبل:
فقد كانت هناك قدم حيث
كان هو.
القدم الأخرى هي قدمه،
واليدان الأخريان،
بقي الرجل:
وعندما بدا الآن لماذا
جُعل
فقد كان مرة أخرى هو
نفسه،
كان يحفر من جديد على
الأرض،
ثياب مهلهلة، بلا قميص
هناك كان ولم يكن،
مثلما من قبل
سقط وكان من جديد،
ولمّا لم يمتلك يوماً
مقابر،
أو قبوراً، ولم يكن
اسمه منقوشاً
على حجر عَرِقَ
لاستخراجها،
لا أحد كان يعرف أنه
أتى
ولا أحد كان يعرف متى
مات،
بحيث أنه فقط عندما يمكن
للرجل المسكين
يعود للحياة مرة
ثانية، بدون أن يلحظ ذلك أحد.
كان هو الرجل بلا شك،
بلا إرث،
بلا مواشٍ، بلا عَلَم،
ولم يكن تميزه عن
الآخرين ممكنناً،
كان الآخرون هو،
كان رمادياً من الذؤابات
مثل أسفل الأرض،
مدبوغاً مثل الجلد،
كان أصفراً يحصد
القمح،
كان أسوداً في المنجم،
كان بلون الحجارة على
الحصن،
في قارب الصيد بلون سمك
التونة،
وبلون الأحصنة في
البرية:
كيف كان لأي أحد تميزه
إن كان غير قابل
للفصل، أولي،
أرض، فحم أو بحر كلها
متاحة للرجل؟
عاش أينما كان
رجل ملموس كَبُر:
الحجارة الجارحة،
شذبتها يداه،
طلبها آخرون
واحدة بعد أخرى شكلت
الوضوح الجلي للمبنى،
صنع خبزاً بيديه،
وحرك الآلات،
والمسافات سكنتها
المدن،
رجال آخرين كبروا،
وصل النحل،
وبفضل إبداع الإنسان وتربيته
جاء الربيع إلى ساحات
الأسواق
بين المخابز والحمام.
نُسي صانع الأرغفة،
هذا الذي ارتحل وارتحل
عاركاً
فاتحاً الثلم، وناقلاً
الرمل،
وعندما كان كل شيء موجوداً
لم يعد موجوداً،
تخلى عن وجوده فقط،
ذهب إلى مكان آخر
للعمل،
وفي النهاية مات، متدحرجاً
مثل حجر إلى النهر:
حمله الموت قدماً.
أنا، الذي عرفته،
رأيته ينزل
حتى أنه لم يكن ما كان
عندما غادر:
الطرقات التي بالكاد يستطيع
أن يعرفها
بيوت لن يعيش فيها
أبداً.
استدرت لأراه
في قبره حيّاً أراه.
لقد ميزته من بين
الجميع أمثاله
ويبدو لي ذلك مستحيلاً
هكذا، نذهب إلى لا
مكان،
لا مجد في البقاء
هكذا.
أعتقد أن هذا الرجل
معتلياً عرشاً وفي
قدميه حذاء وعلى رأسه تاج.
أعتقد أن هؤلاء الذين
صنعوا مثل هذه الأشياء
يجب أن يكونوا سادة كل
هذه الأشياء.
وأن من صنعوا الخبز
يجب أن يأكلوا!
وأن من يعيشون في
المناجم يجب أن يوفر لهم الضوء!
يكفي الآن من رجال شيب
مستعبدين!
يكفي "ممن
فقدوا"!
لا رجل آخر يمر إلا
باعتباره ملكاً.
ولا امرأة واحدة بدون
تاجها.
قفاز ذهبي لكل يد.
ثمار الشمس لكل
المجهولين!
عرفت هذا الرجل عندما
كان لي ذلك،
عندما كانت عيونه لا
تزال برأسه،
عندما كان له صوت في
فمه
بحثت عنه بين القبور،
وقلت ماسكاً بذراعه التي
لم تصبح غباراً بعد:
"كل شيء سيمضي
وتعش أنت،
لقد أوقدتَ الحياة.
لقد صنعت ما هو
لك".
إذاً، لا تدعوا أحداً
يقلق
عندما أبدو وحيداً
وأنا لست بوحيد،
أنا مع لا أحد وأتحدث
عن الجميع:
البعض يصغي لي، دون أن
يعرف،
ولكن لهؤلاء الذين
أغني، هؤلاء الذين يعرفون
استمروا في الولادة واملئوا
الأرض.
السبعينيات والثمانينيات-الشقاق العربي ... د. خيرية قاسمية
فيما يلي المحاضرة الرابعة والعشرون في التاريخ العربي الحديث للدكتورة المرحومة خيرية قاسمية وهي بعنوان
"السبعينيات والثمانينيات-الشقاق العربي".
كما يمكن الاستماع إلى المحاضرات السابقة على هذا الرابط.
"السبعينيات والثمانينيات-الشقاق العربي".
كما يمكن الاستماع إلى المحاضرات السابقة على هذا الرابط.
الاثنين، 28 مايو 2018
الطوفان... أولى الأساطير
إنها قصة أتراهاسيس،
أو حاتو حاسيسو (صولجان الفطنة) بالأكادية، الذي نجا من الطوفان كما ترويها ملحمة
الحكيم الكبير أو ملحمة أتراهاسيس. تعود نسختها الأولى إلى أيام السومريين، لكن
الرقم التي عثر عليها وتروي هذه الملحمة تعود إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد.
وهي قصيدة من نحو 1200 بيت وتتقاطع مع أسطورة جلجامش ومع رواية الطوفان كما جاءت
في العهد القديم الذي يُظن أنه كُتب في آخر نسخه بين القرنين الثامن والسادس قبل
الميلاد.
تتحدث في جزئها الأول
عن انقسام الآلهة في فئتين: فئة دنيا وفئة عليا. الدنيا تعمل وتجهد لتطعم نفسها
وتطعم الآلهة العليا التي تعيش على هواها. وفي يوم تضرب الآلهة الدنيا عن العمل وتطالب
الآلهة العليا بإيجاد حل لأنها سئمت العمل. هددها الملك الإله إنليل بالقتل، ولكن
أخاه إيا (إنكي) يقترح خلق الإنسان لحل هذه المسألة. إنسان يشبه الآلهة إلا أنه
غير خالد وعليه أن يعمل ليطعم نفسه وكذلك الآلهة عن طريق القرابين. فصنع الإنسان
من غضار أضيف إليه دم أحد الآلهة ونفخت فيه الإلهة الأم ننماه الحياة.
وفي الجزء الثاني يقوم
البشر بمهامهم على أكمل وجه، ولكنهم مع هذا يسببون الإزعاج للآلهة العليا بما يحدثونه
من جلبة وبتكاثرهم المتزايد. وهذا ما تعبر عنه إحدى الرقم:
لقد تكاثر البشر
والبلاد تخور كما
الثيران
والإله منزعج من صخبهم
إنليل يسمع صراخهم
ويقول لكبار الآلهة:
"صوت البشرية
يضايقني
لقد حرمت النوم جراء
صخبهم
لذا أصابهم إنليل بالأوبئة والمجاعة. ولكن إيا، إله المياه العذبة وحامي البشر، كان يخبر أتراهاسيس الحكيم
الذي كان بدوره يقوم بالإجراءات اللازمة لحماية شعبه. وهذا ما زاد في حنق إنليل
فقرر إغراق الأرض بالمياه ومنع أخاه إيا من الاتصال بالبشر. ولكنه استطاع الاتصال مع أتراهاسيس
في المنام وأوحى له ببناء قارب وبأن يضع عليه عينات من كل الكائنات الحيّة.
تقوم الآلهة العليا
بإغراق الأرض حتى ذرى الجبال خلال ستة أيام وسبع ليال لم يتوقف فيها المطر ولا
البرق والرعد لدرجة أنه حتى بعض الآلهة خافت فصعدت إلى السماء. وفي اليوم السابع
تهدأ العاصفة ويرسو المركب على قمة نيشير. وبعد عشرة أيام يهدأ روع أتراهاسيس ويرسل
بحمامة ولكنها تعود، وفي اليوم التالي يرسل بسنونو ولكنه يعود، وفي اليوم الثالث
يرسل بغراب فلا يعود لأنه وجد أرضاً انحسرت عنها الماء فبقي عليها. وهنا يطلق أتراهاسيس
الكائنات التي كانت على مركبه، وقدم قرباناً عبارة عن طعامه الذي وضعه على قمة جبل
وعطّره بالأرز والريحان مما جعل الآلهة تتقاطر لالتهام قربانه.
ولكن إنليل شعر
بالانتصار بعودة الأرض إلى ما كانت عليه من هدوء دون أن تفقد الحياة. لذا كافأ
إنليل أتراهاسيس بالخلود، وطلب من إيا أن يقصّر في عمر الإنسان وأن يدخل المرض
والعقم في حياته حتى يخفف من تكاثرهم.
السبت، 26 مايو 2018
عيد الجيران... عيد القرية
تفرض الحياة الحديثة،
بخصائصها المتبدلة، على الناس نمط عيش تضعف فيه الصلات لأسباب عديدة. منها البعد،
بعد مكان العمل عن مكان الولادة والأهل والأصدقاء. ومنها العيش في مدينة كبيرة
يضيع في زحامها الإنسان ويصبح شخصاً مسكوناً بعمله وتنقّله وتلبية حاجاته مما يبعد
إمكانية تواصله مع الآخرين، حتى جيرانه. ومنها أيضاً مستوى الدخل الذي يفرض إدارة
حريصة للنفقات تحد من الحركة ومن ثم من فرص مقابلة أناس آخرين والارتباط معهم
بتواصل ما. ومنها أيضاً السنّ، فكبار السنّ تتراجع فرص لقائهم بالآخرين لانكفائهم
على أنفسهم، وتزيد فرص تعرضهم لمرض أو أمراض تفرض عليهم قيوداً تحد من أشياء كثيرة
تقلص في نهاية المطاف من فرص تواصلهم مع الآخرين.
وفي دراسة أجريت في
فرنسا أظهرت أن 25% ممن تزيد أعمارهم عن 75 سنة يعانون من الوحدة والعزلة، وأن 11%
من السكان يعانون إجمالاً من الوحدة والعزلة وهي نسبة تزيد لدى محدودي الدخل لتصل
إلى 16% ممن يحصلون على دخل أقل من دخل الحد الأدنى، أي الدخل اللازم للحياة
بالحدود الدنيا من حيث السكن والمأكل والملبس.
هذه المعطيات دعت إحدى
الهيئات المدنية للدعوة إلى ما أسموه "عيد الجيران". والقصد من ذلك
التقاء سكان بناية أو حي صغير في يوم من السنة لتناول وجبة الغذاء معاً. وحدد لذلك
آخر يوم جمعة من أيار أو أول يوم جمعة من حزيران. يأتي كل شخص أو عائلة بما يتيسر
لهم من الطعام والشراب، وتمد طاولات الطعام في بهو البناية أو باحتها مثلاً، ويدوم
ذلك بين الساعتين والثلاثة. يجرى خلالها التعارف وتبادل الأحاديث، وأحياناً تنتهي
ببناء صداقات وزيارات متبادلة. وفي كل هذا لا ينسى القاطنون الذهاب والبحث عن كبار
السنّ من سكان بناياتهم وإحضارهم للمشاركة في تناول الطعام، إذ إن بعضهم لا
يقدر أحياناً على الحركة أو لا علم له بهذا العيد أو موعده.
كان عدد المشاركين في هذا الاحتفال في أول انطلاقته (1999) أقل من عشرة آلاف شخص، ولكن
المشاركين فيه اليوم يزيدون عن تسعة ملايين شخص في فرنسا. وهذا العيد اعتمده
الاتحاد الأوروبي في عام 2004 لمزاياه الاجتماعية الواضحة، وبلغ عدد الأوروبيين المشاركين
فيه عام 2016 نحو 18 مليون شخص في 150 مدينة أوروبية. كما اعتمدته حتى اليوم 36
دولة من بينها كندا وأذربيجان وتركيا.
بقي أن نقول إن هذا
العيد كان له عيد سابق في فرنسا هو: عيد القرية. وهو عيد يكون بعد انتهاء العمل من
الحصاد. يجتمع أهل القرية على وليمة مشتركة يساهم الجميع في إعدادها. ويتخلله
اللعب والرقص والغناء. يبدأ في الظهيرة وينتهي مع مغيب الشمس وقد يدوم لأكثر من
ذلك... ولكن القرية اليوم ليست كقرية الأمس، فسكان القرى في أغلبهم ليسوا فلاحين
وإنما من طالبي الهدوء والسكينة. لذا لم يعد للقرية من عيد، واستعيض عنه بعيد
الجيران، وإن كان أقل بهجة.
الجمعة، 25 مايو 2018
الحجاز قبل الإسلام... د. محمد محفل
محاضرات في التاريخ الإسلامي والعربي: الجزيرة العربية وجيرانها قبل البعثة النبوية للدكتور محمد محفل.
فيما يلي المحاضرة الثالثة بعنوان:
الحجاز قبل الإسلام،
ويمكن الاستماع إلى المحاضرات السابقة على هذا الرابط
فيما يلي المحاضرة الثالثة بعنوان:
الحجاز قبل الإسلام،
ويمكن الاستماع إلى المحاضرات السابقة على هذا الرابط
الأربعاء، 23 مايو 2018
بطرس الكبير... أكبر أباطرة روسيا
وهو ليس أكبرهم من حيث
الطول، إذ بلغ طوله نحو مترين، ولكنه الكبير لكبر ما فعله ببلده ونقله من العصور
الوسطى إلى زمنه الذي كان يعيش فيه. والبعض يقول إنه لولا بطرس الكبير هذا لكانت
روسيا اليوم في عداد الدول النامية.
بطرس الكبير، أو بطرس الأول ولد عام 1672 وتوفي عام 1725، أي أنه عاش نحو 53 عاماً، كانت حافلة
بالإنجازات والمغامرات والمآسي. فقد توفي أبوه وله من العمر أربع سنوات، وورثه
أخاه من أبيه فيودور الثالث الذي لم يطل به العمر، إذ توفي في عام 1682 بلا وريث.
عين مجلس الأعيان بطرس وأخاه من والده إيفان الرابع قيصران على روسيا في سابقة لا
مثيل لها وذلك في ظل ظروف غريبة، ذلك أن إيفان هو أكبر من بطرس سناً ولكنه كان
ضعيفاً عقلياً ويعاني من أمراض.
قامت أخته من أبيه
بالوصاية على العرش ودخلت في تحالفات ومعاهدات وحروب لم تكن بالموفقة دائماً،
وكانت تطمح بالطبع إلى عزل بطرس أو جعله قيصر ظل. ولكن هذا الأخير استفاد من فشل
حملتها على القرم عام 1689 وأجبرها بمساعدة بعض خلصائه على اعتزال السلطة التي
عادت له مع أخيه المريض ولتصبح خالصة له مع وفاة هذا الأخير عام 1696. وفي خلال
تلك الفترة تعرف إلى بعض المتنورين الغربيين ممن لهم خبرة في الجيش وفنون الحروب
والهندسة والإبحار مما ولّد لديه اهتماماً بأوروبا وحضارتها الروحية والعلمية والفنية.
لم يكن لروسيا موانئ
تقريباً. وحدودها البحرية هي إما في البلطيق الذي كانت تسيطر عليه الإمبراطورية
السويدية أو في البحر الأسود الذي كانت تسيطر عليه الدولة العثمانية. لذا قاد عام
1695 حملة ضد قلعة أزوف التي كان يحتلها الأتراك في البحر الأسود. لم يتمكن في
البداية من احتلالها بالرغم من حصارها الطويل فقد كانت تحصل على مؤنها من البحر.
وقام هنا ببناء أسطول بدائي قادر على حمل المدافع والجنود ليفوز في النهاية بهذا
الحصن وبالانتصار في أولى معاركه. ولكن هذا لم يفتح له باب البحر الأسود لأن
الأسطول العثماني كان الأقوى والمهيمن بلا منازع. ولكنه أبرم مع العثمانيين معاهدة
القسطنطينية عام 1700 التي تعلن وقف الحرب الروسية التركية التي بدأت عام 1686
وحصل روسيا بالمقابل على اعتراف الباب العالي بسيطرتها على أزوف والميناء التابع
لها. هذه المعركة جعلت من روسيا بلداً هاماً في نظر الأوروبيين وأتاحت لبطرس الأول
الانتقال إلى جبهة البلطيق.
وفي غضون هذه الحرب
التي دامت خمس سنوات قام بطرس الأول بزيارة أوروبا عدة مرات، وهذه كانت أول مرة
يغادر فيها قيصر روسيا بلاده إلى الخارج. زار خلالها معظم دول أوروبا ومكث في
هولندا فترة لا باس بها، تعلم خلالها بناء السفن في أمستردام، وعزز معرفته هذه
أثناء زيارته لبريطانيا. زار فينيا وقابل إمبراطورها الذي خيب ظنه، أما ملك فرنسا
لويس الرابع عشر فقد رفض استقباله لأن روسيا "أمة وضيعة غارقة تماماً في
بربريتها"، ولكن يجب أن نعرف أن فرنسا هي الدولة الوحيدة تقريباً بين دول
أوروبا التي لم تدخل في حرب مع الدولة العثمانية التي كان بطرس الأول في حرب معها.
عاد إلى روسيا عام 1698 وهو على مشارف البندقية لقمع عصيان يهدف إلى إعادة أخته من أبيه إلى الحكم. عصيان قمعه بقسوة. طلّق زوجته التي اتهمها بالتآمر ضده ووضعها في دير للراهبات، وأبعد عنها ابنه الوحيد الصغير ألكسي الذي أمضى حياته أسير صورة ذلك الفراق المؤلم.
عاد إلى روسيا عام 1698 وهو على مشارف البندقية لقمع عصيان يهدف إلى إعادة أخته من أبيه إلى الحكم. عصيان قمعه بقسوة. طلّق زوجته التي اتهمها بالتآمر ضده ووضعها في دير للراهبات، وأبعد عنها ابنه الوحيد الصغير ألكسي الذي أمضى حياته أسير صورة ذلك الفراق المؤلم.
بعد
"انتصاره" في البحر الأسود، انتقل إلى بحر البلطيق الذي كانت تسيطر عليه
السويد. وفي عام 1700 دخل في معركة ضد الجيش السويدي الذي كان يقوده الملك الشاب الصغير شارل الثاني، جيش قوامه 8000 مقاتل في مواجهة 38000 ألف جندي روسي. خسر بطرس الأول
المعركة خسارة فادحة أمام جيش صغير منظم ومدرب على القتال وفنون الحرب وملك بارع
في التخطيط للمعارك. تابع هذا الملك طريقه واحتل بولونيا وجزءاً من ألمانيا. وعاد
في عام 1708 إلى روسيا قاصداً موسكو التي كانت تحت سيطرة بطرس الأول. ذلك أن بطرس
الأول قام بين عامي 1700 و 1708 بالاستيلاء على أراض في منطقة البلطيق وأسس مدينة
سانت بطرسبرغ عام 1703 على خليج فنلندا وجعلها عاصمته بدلاً من موسكو. هزم شارل
الثاني بطرس الأول في معركة أولى ولكن بطرس الأول استخدم في الأيام التالية سياسة
الأرض المحروقة التي لم يترك فيها للسويديين ما يأكلونه، وتواجه الجيشان بعد ثلاثة
أشهر تمكن خلالها بطرس الأول من تحطيم ميمنة الجيش السويدي الذي وجد نفسه مضطراً
للانسحاب دون أن يعلن الهزيمة. ولكن الشتاء القاسي والاستعداد الكبير للجيش الروسي
مكنا بطرس الأول من هزيمة الجيش السويدي هزيمة نكراء في العام التالي اضطر إثرها
شارل الثاني إلى اللجوء للسلطان العثماني أحمد الثالث الذي أعلن الحرب على روسيا
1710-1711. حرب انتهت باستعادة الأتراك لميناء أزوف وقبول السلطان بطرد شارل
الثاني وعدم تدخله في الأزمة بين روسيا والسويد. أزمة انتهت مع قبول شقيقة شارل
الثاني عام 1721 التوقيع على نهاية حرب الشمال الكبيرة والاعتراف بسيطرة روسيا على
شواطئ فنلندا الواقعة على البلطيق.
كان الهمّ الشاغل لبطرس
الأول بعد عام 1716 تحضير ابنه لوراثته. ولكن ابنه لم يكن طموحاً بالعرش ولا يرغب
فيه. وهذا ما أثار حنق أبيه. هرب ابنه الكسي إلى جنوب إيطاليا باحثاً عن الهدوء والسكينة،
ولكن أباه أعاده إلى موسكو بالخديعة والاستعطاف. لم يكن رفض ابنه مفهوماً بالنسبة
له واعتبره مؤامرة من ابنه لتقويض كل ما بناه. ومات ابنه تحت التعذيب الشنيع. لذا
ورثه في الحكم زوجته الثانية كاترين الأولى، ثم حفيده بطرس الثاني.
وغير معاركه وجعل
مكانة لروسيا في أوروبا وعالم ذاك الزمان، فقد قام بطرس الأول بإصلاحات عديدة من
بينها فرض ضرائب على الأغنياء (100 روبل) وجعلها زهيدة على الناس العاديين (كيبيك
واحد). وكذلك إيقاف وراثة النبالة، فالنبيل هو بحسب الوظيفة الموكلة إليه ليس إلا.
ومن بين أوامره "الغريبة" وضع ضريبة على اللحى، ذلك أن اللحية بالنسبة
له كانت رمزاً للتخلف. وعلى كل من يريد الاحتفاظ بلحيته (لأنها برأيهم هي من صورة
الخالق) فعليه دفع ضريبة تتراوح بين 100 ريال و نصف كيبيك وذلك بحسب المرتبة
الاجتماعية لصاحب اللحية. ولتجنب سخط الناس عفا رجال الدين من هذا القانون. ومنع
كذلك ارتداء القفطان لصالح الملابس الأوروبية. وحاول في غير ذلك إصلاح القوانين
الروسية، ولكنه لم يفلح في ذلك بالرغم من أخذه بالنموذج السويدي والدانمركي. شجع
الصناعة والتجارة. واعتمد الروبل عملة لروسيا. وأرسل البعثات إلى أوروبا للتعلم،
واعتمد السنة اليوليانية بداية للسنة المحاسبية، وأدخل تبسيطات على الأبجدية
السيريلية واستخدم الأرقام العربية وطبعت في أيامه أول جريدة روسية على مطبعة غوتنبرغ التي
أدخلها إلى بلاده عام 1700. عارضت الكنيسة إصلاحاته واعتبرتها مناهضة للتقاليد
الروسية. وعند موت البطريرك الروسي عام 1700 لم يعيّن بطرس الأول خليفة لها، وإنما
قام في عام 1721 بتأسيس مجمع من رجال الدين لإدارة الكنيسة، وكان هذا آخر إصلاحاته.
برنارد لويس... المستشرق الباغض للشرق وأهله
توفي في 19 أيار الجاري
(عام 2018 ) المستشرق البريطاني المولد (من مواليد عام 1916) والأمريكي الإسرائيلي
الجنسية برنارد لويس بعد عمر تجاوز المائة عام كانت حافلة بنشاط "فكري"
تاريخي لوّنه بمواقف سياسية ترتبط بأصوله الدينية.
ولد لأسرة يهودية
متوسطة الحال في لندن. درس العبرية والآرامية والعربية في صباه ثم درس اللاتينية
والإغريقية في شبابه، وكان مولعاً بالتاريخ الذي درسه وحصل على الدكتوراه فيه من
جامعة لندن عام 1939. زار فرنسا التي بدأ فيها تعلم التركية والفارسية، ودرس في جامعة
القاهرة بين عامي 1936 و 1937، وتنقل بعدها بين فلسطين وسورية ولبنان وتركيا. وفي
الحرب العالمية الثانية عمل في جهاز الاستخبارات البريطاني. نشر في عام 1950 كتاب
"العرب في التاريخ" وهو مترجم إلى العربية مع كتب أخرى عديدة.
معظم كتبه حول الإسلام
مثل "أوروبا والإسلام" و "الإسلام في التاريخ" و"اللغة
السياسية للإسلام" و "الإسلام: الدين والناس" وعشرات الكتب غيرها.
وهو من أكبر الاختصاصيين الغربيين في التاريخ التركي. زار تركيا مرات عديدة وله
عنها كتاب ظهر عام 1961 ولقي نجاحاً في الغرب بعنوان "بزوغ تركيا
المعاصرة" يتحدث فيه عن تركيا منذ القرن الثامن عشر وحتى عام 1950. وكانت له
صداقات وتعاطف مع أتراك جعلته يتخذ موقفاً ناكراً للمذبحة التي تعرض لها الأرمن حيث
كان يجد الأعذار للضباط الأتراك الذين كانوا يحكمون تركيا وقت المجزرة. وهذا ما
أثر على قبوله في كمفكر في أوروبا.
فهو لم يكن مؤرخاً
عالماً وإنما كان منخرطاً في القضايا السياسية. وهو أول من قال "بصراع
الحضارات" في عام 1957 عقب حرب السويس وأخذه عنه مساعده صمويل هاتنغتون. كان
تأيده لإسرائيل سافراً دائماً وثابتاً مما يخلع عنه صفة الحيادية التي يجب أن
يتمتع بها العالم، فدون ذلك ستكون أفكاره بالنسبة للآخرين مشوبة بالهوى ولا يمكن
الركون إليها. عمل مستشاراً لجورج بوش الابن بأمل أن يضع معارفه التاريخية في خدمة
هذا الأخير في حربيه في أفغانستان والعراق، وخاصة العراق، بغية الوصول إلى تحسين وضع الدولتين
ونقلهما إلى عالم أفضل. وما علينا إلا النظر إلى وضعي البلدين لمعرفة النتائج، نتائج جعلته يتنصل لاحقاً من مسانتدته لهذه الحرب... أطلق عليه أحد الصحفيين الغربيين صفة "كاهن الحرب الكبير في الشرق الأوسط".
كان ممن يقولون بأن
العالم الإسلام، أو الإسلام، معاد للديمقراطية ولا يمكنه التعايش معها وأن العالم
الإسلامي متيبس في معاداته الأساسية للغرب. وكان يقول "بأنهم" [المسلمون]
لا يحبوننا، ليس بسبب ما نفعله وإنما "لأنهم" يرفضون قيمنا في الحرية،
ولأنهم فقدوا قوتهم منذ قرنين [نهاية القوة العثمانية]. ولم يكن بالنسبة له تأميم
قناة السويس وسقوط الشاه والثورة الإيرانية وثورات الفلسطينيين... إلا بسبب كرههم
للغرب... وطبعاً هو في كل هذا ينسى الآلام التي سببها الغرب لهم، وخاصة لأهل
المشرق، منذ مطلع القرن التاسع عشر انتهاء بفلسطين وما تلاها، وقبل ذلك ثلاثة قرون من الحروب الصليبية. ومن أكبر وأكثر من
واجهه المفكر الفلسطيني-الأمريكي إدوارد سعيد في كتبه ودراساته، وقال عنه "إن فحوى إيديولوجية
برنارد لويس فيما يخص الإسلام هي بأنه لا
يتغير أبداً... وأن كل مقاربة سياسية أو تاريخية أو جامعية للمسلمين يجب أن تبدأ
وتنتهي بواقع أن المسلمين هم مسلمون"...
كيف يمكن للمرء أن يكون حر التفكير طالما أنه ينطلق من أفكار مسبقة!
كيف يمكن للمرء أن يكون حر التفكير طالما أنه ينطلق من أفكار مسبقة!
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)