بحث هذه المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات تاريخ،. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات تاريخ،. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 27 مارس 2016

التجارة... واللغة ... والفينيقيون




من النادر أن كانت الحروب بسبب التجارة، التجارة بمعنى بيع السلع والكسب من وراء البيع. وهذا البيع هو مقابل لمادة أولى مثل الذهب أو مقايضة، يكون للتاجر نصيب ربح يعيش أو يغنى منه. ربما أن دولة، تعيش على الضرائب التي تجنيها من التجارة، تسعى للحرب عند استيلاء دولة أخرى أو شعب آخر على خطوط تجارتها ومن ثم حرمانها من هذه الضرائب. فيقود هذا إلى حروب كما حصل في بين الإمارات الإيطالية في القرن السادس عشر بسبب تجارة التوابل. أما التجارة نفسها فهي لا تنشط في الحروب، إلا لبعض تجار الحروب، ولكن ليس للتجارة بالمعنى الواسع من تبادل للسلع، فهي تحتاج إلى السلام.
Afficher l'image d'origine
مشهد تخيلي لعملية بيع وشراء

ومن بين أكثر الشعوب التي اشتهرت بالتجارة هو الشعب الفينيقي، الذي عاش على الساحل الشرقي للبحر المتوسط بما في ذلك قبرص، وكان أكبر تجمع لهم فيما يعرف بلبنان اليوم، وكانوا يعيشون في مدن مثل صيدا وصور وجبيل وأرواد، ولم يشكلوا دولة وإنما شكلوا حضارة عرفت بالحضارة الفينيقية، إذ لا شيء يدل على أن ساكني هذه المدن كانوا يشعرون بانتمائهم إلى دولة أو هوية واحدة. امتدت فترة نشاطهم في شرق المتوسط بين 1200 و 300 قبل الميلاد. والمدن التي عاشوا فيها هي مدن كانت موجودة في الأصل ولم يبنوها هم بأنفسهم وإنما تنسب إليهم لطول ما عاشوا فيها. ولكن من هاجر منهم، بسبب تجارته، إلى أماكن أخرى في المتوسط بنى مدناً في قبرص وصقليه وسردينيا وإسبانيا وشمال إفريقيا. وهذه حال لم تدم، إذا شهدت مدنهم منذ القرن الثامن قبل الميلاد ضغوطاً وهيمنة من الآشوريين والبابليين والفرس والإغريق والروم من بعدهم. ولم يكن لهم دولة إلا في قرطاجة، ولهذه قصة مختلفة نرويها في وقت لاحق.
Afficher l'image d'origine
مركب فينيقي

كان الفينيقيون بحارة مجربين ذوي بأس، وتجار وحرفيين من أمهر التجار والحرفيين كما ذكرت أخبارهم في نصوص تعود لشعوب أخرى وليس لهم. ومن أهم دلائل ذلك هو انتشار أبجديتهم التي طوروها بسبب أعمالهم التي تحتاج إلى الكتابة والتدوين، وهذه الأبجدية انتشرت من ثم في كل المناطق التي كانوا يذهبون إليها بتجارتهم وغدت نظام الكتابة الأكثر انتشاراً في المتوسط، وهي الأصل في الأبجدية الإغريقية (التي اشتق منها اللاتينية والقبطية والسيريلية) والآرامية (التي اشتق منها العربية والعبرية) ، وتكتب الفينيقية من اليمين إلى اليسار، واعتمدتها اليونسكو كأحد العناصر في برنامج الذاكرة العالمية.

بعض أحرف الأبجدية الفينيقية والإغريقية
تنظيمهم السياسي غير معروف تماماً، فهناك الملك (يلفظ كما في العربية)، له وظيفة الدفاع عن المدينة، ووظيفة دينية تتمثل في بناء المعابد ووظيفة قضائية. وفي القضاء كانت تستخدم كلمات مثل العدل (وتلفظ: صدق)، والاستقامة (وتلفظ: مسَر). وكان الملك كان قاضياً قبل كل شيء.

شملت شبكة تجارتهم كل من بلاد ما بين النهرين، وسورية، والأناضول ومصر، وحوض المتوسط. وكانوا يبيعون الحبوب والتوابل (الكمون والعصفر والفلفل) والزيوت والنبيذ والعطور والمعادن (النحاس والقصدير والفضة والحديد) والقماش، وخاصة القماش المصبوغ بالأزرق أو الأحمر القاني وهو ربما السبب في تسميتهم بالفينيقيين كما سماهم بذلك الإغريق في القرن التاسع قبل الميلاد، ذلك أن phoenix في الإغريقية تعني الأحمر الغامق.

بقي أن نقول، إن من بين تجارتهم كانت تجارة العبيد أيضاً، فربما كسب المال أكثر أغراء من كثير من الأفكار النبيلة، أو أن العبيد في تلك الأيام لم يكن حالهم من السوء بقدر ما نعرفه، أو لأن التاجر يبحث عن إرضاء الزبون أولاً!

الثلاثاء، 1 مارس 2016

قادش، سورية... أول حرب عالمية



تعطي صفة العالمية للحروب التي تشارك فيها دول عديدة، أو تكون بين أكبر القوى الموجودة على الأرض. وهذا ما حدث في أول حرب عالمية درات رحاها في منطقة قادش، المعروفة اليوم بتل النبي مندو، في المنطقة الواقعة بين مدينة القصير وبحيرة قطينة قرب حمص في سورية اليوم. دارت هذه الحرب بين القوتين الأعظم في ذلك الوقت: مصر الفراعنة يقود جيشها رمسيس الثاني، والحثيون بقيادة مواتالي، الذي ضم إليه تحالف من دول وشعوب ترتبط مع الحثيين بعلاقات مختلفة. كانت مصر إحدى قوى الأرض الكبرى، وربما أقواها في ذلك الوقت، والحثيون كانوا في أوج قوتهم يسيطرون على مساحة كبيرة من الأرض تشمل معظم تركيا اليوم والجزء الأكبر من سورية تنتهي تقريباً عند حمص، وعاصمتها هاتوسا في الأناضول. حدث ذلك في عام 1274 قبل الميلاد. شارك في معركة قادش أكثر من 20 ألف من الجنود، و2000 عربة من الطرف المصري وضعف ذلك من الطرف الحثي.

سبب الحرب هي رغبة الطرفين في السيطرة على الإمارات الوسطى والجنوبية من سورية، وهي إمارات مبعثرة وضعيفة سياسياً مما كان يجعلها هشة أمام أي تدخل خارجي، لذا حاول الطرفان السيطرة عليها لحماية حدودهما، وهذه المحاولات امتدت على أكثر من قرنين. وقبل هذه المعركة كانت العلاقات جيدة بين المصريين والحثيين بالرغم من إقامة المصريين علاقة حماية مع المملكة الميتانية التي كانت تهيمن على جزء كبير من سورية. ولكن أحد ملوك الحثيين غزا دولة الميتانيين في القرن الرابع عشر قبل الميلاد وأخضعها له مما أثار تخوفات المصريين. وجرت محاولات عديدة لتهدئة الأمور، ترغيباً أو ترهيباً، استمرت على مدى عدة عقود دون أن تأتي أوكلها، سيطر خلالها الحثيون على كل الممالك السورية ماعدا مملكة عمورو وعاصمتها قادش. ومن ثم كانت المعركة الكبيرة بين الطرفين للسيطرة على هذه المملكة.
Afficher l'image d'origine
رسم تصويري للمعركة

دارت المعركة بقيادة الملك الحثي والفرعون، لا تزال تفاصيلها غير معروفة بالضبط، فالمصادر متضاربة، ذلك أن كلا الطرفين ادعيا النصر ودوّنا ذلك في عاصمتيهما، ولكن معظم الدلائل تشير إلى انتهائها بلا انتصار، بالرغم من بدء الحوثيين للمعركة بطريقة مفاجئة بعد أن تركوا انطباعاً لدى المصريين بأنهم سيغادرون المنطقة، ولكنهم استداروا ليباغتوا الجيش المصري. وبالرغم من انتصارهم في النهار الأول لكن الجيش المصري صمد بقيادة رمسيس وأعاد التوازن مع الجيش الحثي وحاول في اليوم التالي تسجيل انتصار وهذا ما لم يحدث مما دفع بالطرفين إلى قبول الهدنة ووقف القتال بينهما، ولكن دون توقيع اتفاقية. ربما كان قبولهما بوقف القتال بسبب بعد كل منهما عن قاعدته وخشيته من هزيمة ستكون كارثية على أي منهما.

Afficher l'image d'origine
رسماً يبين توزع الفرق أثناء المعركة
لم تكن هذه المعركة خاتمة المعارك بين الطرفين، فبعد أن سيطر الحثيون على قادش، عاد رمسيس الثاني أكثر من مرة إلى سورية بغية تأمين حدوده الشمالية، أما الحثيون فكانوا يحاربون على أكثر من جبهة لينفرط عقدهم بعد عدة عقود من الزمان.

بقي أن نقول إن رمسيس الثاني سجل على أعمدة الأقصر حيثيات المعركة و"انتصاره الباهر" وعدد الغنائم التي جلبها معها من معركته الظافرة، ولكنها في الواقع لم تكن أكثر من بضعة أحصنة ليس إلا. فالإعلام الكاذب ليس من صنع اليوم وإنما منذ الأزل!

الجمعة، 5 فبراير 2016

الساموراي ...المحارب




 Afficher l'image d'origine
الساموراي، كلمة تدل على أحد أفراد طبقة المحاربين التي قادت اليابان في الفترة الإقطاعية على مدى 700 عام تقريباً. والساموراي في الأصل هو محارب محترف يرمي السهام من على حصانه، ملبياً الرغبة الإمبراطورية في فتح أراض وبلاد في فترات من تاريخ اليابان. 

كانت اليابان تمتلك جيشاً من المجندين، يقبل التجنيد لمن تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين، ليشكلوا كتائب كل منها من ألف محارب ترتبط بحاكم المنطقة. ولكن الإمبراطور الياباني قرر إعادة تنظيم هذا الجيش بسبب عدم قدرته على صد هجمات البرابرة في نهاية القرن الثامن الميلادي، وتشكيل جيش من الفرسان الشباب النبّالة المنحدرين من أوساط اقتصادية متوسطة على الأقل. وهذا الجيش هو أصل الساموراي. هناك نظريات ودراسات مختلفة عن أصول الساموراي ترتبط تفاصليه بتاريخ اليابان، ولكنها تتفق كلها على أنهم طبقة من الفرسان لحماية النظام السياسي، وخاصة الاقطاعي منه.

Afficher l'image d'origineومع مرور الزمن اكتسب أهل الساموراي طقوساً وعادات شكلت ثقافة خاصة بهم. وفي الأغلب، فإن ابن الساموراي يصبح بدوره ساموراي لذا فهو يخضع لنظام شديد للغاية. يُؤخذ من حضن أمه وهو في صغير قبل أن يكون قادراً على الاستمتاع بحنانها، وكذلك قبل أن يستمتع باللعب مع أقرانه. ومن اللحظة التي يبدأ فيها الكلام يبدأ تعليمه بأن الواجب هو هدفه في الحياة، وأن عليه أن يضبط نفسه كقاعدة أولى في السلوك، وأن الألم والموت هي مجرد حوادث في الحياة لا أهمية لها بالنسبة للفرد.

تهدف هذه التربية الفظة إلى تطوير لا مبالاة كاملة، بكل ما لذلك من عواقب ليست حسنة دائماً. فيُحملون وهم أطفالاً على رؤية الدم بإجبارهم على حضور الإعدامات، حيث كان عليهم ألا يبدوا أي انفعال. وفي البيت كانوا مجبرين على تناول صحن كبير من الرز ملون بالأحمر يذكرهم بالدم، وذلك لكبح أي انفعال خفي لديهم. كما كان عليهم أن يمروا بامتحانات قاسية وهم أطفال، مثل الطلب إليهم الذهاب ليلاً إلى أماكن تنفيذ الإعدام والعودة بأحد الرؤوس كدليل على الشجاعة. فالخوف، سواء من الأموات أو الأحياء، كان غير مقبول من الساموراي. وعليهم في كل اختبار أن يظهروا سيطرتهم على أنفسهم من أي انفعال.

وعلى شاب الساموراي أن يمضي وقته في التمارين الفيزيائية التي تحضره لخوض الحروب، من المصارعة واستخدام السيف والقوس والسهام وفنون الدفاع عن النفس والخيل. لباسه عادي إلا لباس الاحتفالات ولباس الحرب.

وفي الشتاء إذا صدف أن كان الجو بارداً ولم يعد يستطيع الإمساك بقلمه أثناء دراسته، فكان يطلب منه الغوص في المياه المثلجة لإعادة حركة الدم. وإذا شعر ببرد في قدميه فعليه أن يركض حافياً على الثلج. يترافق مع ذلك تعليم ديني، حيث يتعلم الساموراي احترام الآلهة وأرواح الأجداد، وكان يلقن ديانة بودا وفلسفته ويتعلم الأخلاق.

بقي أن نقول إن الساموراي كان يتعلم كل هذا منذ طفولته المبكرة في مدارس خاصة لهذا الغرض اسمها "كوريو". وكان يتعلم أن يتصرف بمفرده على أن يعرف بأنه لن يسامح على أخطائه، لذا كان عليه التفكير ملياً قبل التصرف... كل هذا أصبح من التاريخ، فاليابانيون اليوم يعيشون ساموراي آخر، ساموراي البوكيمون!