في الثاني من أيار عام 1968، أي منذ خمسين سنة، انطلقت في فرنسا مظاهرات
وإضرابات عمت مدن فرنسا الكبيرة. كان قوامها الطلاب والعمال. كانت الأجواء السياسية والاقتصادية
والاجتماعية في فرنسا والعالم حبلى بكل التوقعات، لم يرها سياسيو تلك الفترة، لذا أربكتهم الأحداث، التي استمرت بضعة أسابيع، ولكن آثارها المباشرة وغير المباشرة كانت من الأهمية بأن أصبحت حدثاً لا يزال يحظى بعناية الدارسين وتؤلف فيها الكتب والمقالات.
كانت حرب فيتنام على أشدها في تلك الفترة وكانت المطالبة بانسحاب أمريكا من فيتنام حديث العالم وخاصة شبانه الذين كانوا في أغلبيتهم من ميول يسارية، أي معادين للإمبرياليات وخاصة الأمريكية. في هذا العام اغتيل مارتن لوثر كنغ وروبرت كندي، وكان ربيع براغ، والثورة الثقافية في الصين في أشدها. وفي هذه الحقبة أيضاً أصبحت سمة المجتمعات الغربية الغالبة هي الاستهلاك بما يفيد منه أصحاب رؤوس الأموال.
وفي هذه الفترة طالت البطالة نحو نصف مليون شخص في فرنسا. وفي هذه الفترة أيضاً زاد عدد طلاب الجامعات الفرنسية بأكثر من ثلاثة أضعاف عما كان عليه قبل عقد من الزمن دون أن يترافق ذلك مع تحسين في البنية الأساسية للجامعات، التي كانت توصف بالتصلّب. وفي هذه الفترة أيضاً كان المجتمع يعيش نوعاً من الركود لا يتوافق مع متطلبات الحياة الجديدة. فالرجال في الكنيسة يصطفون في يمنها والنساء في يسارها، والمدارس يمنع فيها الاختلاط، وكذلك المدن الجامعية التي يحظر فيها زيارة الجنس الآخر، وأمور كثيرة مشابهة تذكّر بمجتمعات من تلك التي نسميها اليوم بمجتمعات متخلفة. أما على المستوى السياسي فقد كان ديغول رئيساً للدولة منذ عشر سنوات، تجاوزه الزمن، يحكم بأغلبية ضئيلة في البرلمان، ومتصلب. وكانت الخلافات السياسية بين التيارات السياسية آنذاك في وضع لا تحسد عليه فرنسا.
بدأت أحداث تلك الفترة في الثاني من أيار عام 1968 احتل الطلاب مكاتب إدارية تابعة لإحدى كليات جامعة باريس العاشرة تعبيراً عن معارضتهم لحرب أمريكا في فيتنام، وسموا ذلك اليوم بيوم "مناهضة الإمبرايالية". قرر عميد الكلية إقفالها. مما أدى إلى انتقال حركة المناهضة إلى جامعة السوربون الشهيرة. احتل باحتها نحو 400 طالب في اليوم التالي، أي الثالث من أيار. وأخذ الطلاب في تنظيم أنفسهم بأنفسهم فيما يشبه نظاماً مستقلاً في النقاش والتصويت.
اشتبك الطلاب مع الشرطة التي نجحت في إخلاء جامعة السوربون بالعنف. أصيب في هذه العملية نحو 500 شخص أكثر من نصفهم من الطلاب. أثار هذا سخط الطلاب الذين كانوا يظنون أنهم محميون بالحرم الجامعي. فتابعوا مظاهراتهم واشتباكاتهم مع الشرطة، ولم ينته اليوم الرابع إلا وزاد عدد الموقوفين عن بضعة مئات.
وهنا آزر الحزب الشيوعي الفرنسي حركة الطلاب وطالب العمال بمساندتهم. وساندت بعض النقابات حركتهم. في السابع من أيار وصلت انتفاضة الطلاب إلى جامعات مدن أخرى. وفي العاشر من أيار تظاهر نحو 20 ألف طالب من طلاب المرحلة الثانوية في إحدى أكبر ساحات باريس واحتلوا الحي اللاتيني وأقاموا المتاريس التي هاجمها نحو 6 آلاف رجل من رجال الأمن في اليوم نفسه وأسقطوها، وتركوا ورائهم مشهداً يذكر بمشاهد الحروب. وهذا ما ساهم في حصول الطلاب على تأييد متزايد من قبل نسبة كبيرة من الفرنسيين.
وفي الثالث عشر من أيار نظمت مظاهرة في باريس شارك فيها العمال وصغار الموظفين والطلاب من كل أرجاء فرنسا. قُدر عدد المشاركين فيها بنحو نصف مليون، ولكن الإعلام الرسمي قال بثلث ذلك. وفي هذا اليوم أيضاً بدأ الإضراب العام الذي طال شيئاً فشيئاً الكثير من المنشآت الصناعية الفرنسية وغيرها. وهو إضراب لم تشارك النقابات في تنظيمه ولم يتوقف حتى الرابع عشر من حزيران. وفي اليوم الثاني والعشرين من أيار كان عدد المضربين عن العمل في فرنسا نحو عشرة ملاين شخص، إما لمشاركتهم في الإضراب أو لأنهم منعوا من العمل بسبب احتلال منشآتهم من العمال والطلاب.
ومن يومها بدأت المسألة تأخذ طابعاً سياسياً. عرض ديغول إجراء استفتاء عام دون جدوى. بدأت الحكومة حواراً مع النقابات. وفي 29 أيار حلّ ديغول البرلمان. وذلك بعد محاولته الفاشلة لاستمالة الجيش لجعله يتدخل في الشأن الداخلي. بدأت الإضرابات بالتراجع من يومها، وتوقفت حركة ما عرف بعد ذلك بأيار 68 في منتصف حزيران. حركة تسببت بجرح نحو ألفي شخص وموت سبعة أشخاص في كل أرجاء فرنسا. وجرت انتخابات برلمانية في الأسبوع الأخير من حزيران فاز فيها الديغوليون!
فشلت الحركة الطلابية والعمالية إذاً يومها في تحقيق مطالبها. ولكن تغيرات
اجتماعية وسياسية حدثت بفعل تلك الحركة عبر الأشهر والسنين التي تلتها. فالاختلاط في المدارس أخذ في الحدوث شيئاً فشيئاً منذ العام التالي لأحداث أيار 68، والجامعات عرفت إصلاحات كثيرة، وتغيرت سمات كثيرة من سمات المجتمع الفرنسي، وكذلك وضع العمال ومطالبهم التي لبيت شيئاً فشيئاً، خاصة زيادة في دخلهم ورفع الحد الأدنى للأجور. وكذلك الصحافة والإعلام عرفا تغيرات كثيرة أهمها تراجع هيمنة الدولة عليهما. كما أن ديغول الذي عرض الاستفتاء دون أن يلقى عرضه صدى في ذروة الأحداث، عاود الكرّة عام 1969 برغبة في زيادة لا مركزية القرار ومنح مجلس الشيوخ سلطات أعلى، وربط مصيره السياسي بنتيجة الاستفتاء... سقط مشروعه بتصويت نحو 52% من الفرنسيين ضده، فما كان منه إلا أن غادر السلطة ليفوز بها غريمه ورئيس وزرائه السابق جورج بومبيدو... وكل هذا لم يمنع أحد رؤساء الحكومات أيام ديغول من القول: أيار 68 لم يكن سوى حادث عابر في الحياة الفرنسية بالرغم من أن نتائجه كانت كبيرة في فرنسا وأوروبا أيضاً.
والاجتماعية في فرنسا والعالم حبلى بكل التوقعات، لم يرها سياسيو تلك الفترة، لذا أربكتهم الأحداث، التي استمرت بضعة أسابيع، ولكن آثارها المباشرة وغير المباشرة كانت من الأهمية بأن أصبحت حدثاً لا يزال يحظى بعناية الدارسين وتؤلف فيها الكتب والمقالات.
كانت حرب فيتنام على أشدها في تلك الفترة وكانت المطالبة بانسحاب أمريكا من فيتنام حديث العالم وخاصة شبانه الذين كانوا في أغلبيتهم من ميول يسارية، أي معادين للإمبرياليات وخاصة الأمريكية. في هذا العام اغتيل مارتن لوثر كنغ وروبرت كندي، وكان ربيع براغ، والثورة الثقافية في الصين في أشدها. وفي هذه الحقبة أيضاً أصبحت سمة المجتمعات الغربية الغالبة هي الاستهلاك بما يفيد منه أصحاب رؤوس الأموال.
وفي هذه الفترة طالت البطالة نحو نصف مليون شخص في فرنسا. وفي هذه الفترة أيضاً زاد عدد طلاب الجامعات الفرنسية بأكثر من ثلاثة أضعاف عما كان عليه قبل عقد من الزمن دون أن يترافق ذلك مع تحسين في البنية الأساسية للجامعات، التي كانت توصف بالتصلّب. وفي هذه الفترة أيضاً كان المجتمع يعيش نوعاً من الركود لا يتوافق مع متطلبات الحياة الجديدة. فالرجال في الكنيسة يصطفون في يمنها والنساء في يسارها، والمدارس يمنع فيها الاختلاط، وكذلك المدن الجامعية التي يحظر فيها زيارة الجنس الآخر، وأمور كثيرة مشابهة تذكّر بمجتمعات من تلك التي نسميها اليوم بمجتمعات متخلفة. أما على المستوى السياسي فقد كان ديغول رئيساً للدولة منذ عشر سنوات، تجاوزه الزمن، يحكم بأغلبية ضئيلة في البرلمان، ومتصلب. وكانت الخلافات السياسية بين التيارات السياسية آنذاك في وضع لا تحسد عليه فرنسا.
بدأت أحداث تلك الفترة في الثاني من أيار عام 1968 احتل الطلاب مكاتب إدارية تابعة لإحدى كليات جامعة باريس العاشرة تعبيراً عن معارضتهم لحرب أمريكا في فيتنام، وسموا ذلك اليوم بيوم "مناهضة الإمبرايالية". قرر عميد الكلية إقفالها. مما أدى إلى انتقال حركة المناهضة إلى جامعة السوربون الشهيرة. احتل باحتها نحو 400 طالب في اليوم التالي، أي الثالث من أيار. وأخذ الطلاب في تنظيم أنفسهم بأنفسهم فيما يشبه نظاماً مستقلاً في النقاش والتصويت.
اشتبك الطلاب مع الشرطة التي نجحت في إخلاء جامعة السوربون بالعنف. أصيب في هذه العملية نحو 500 شخص أكثر من نصفهم من الطلاب. أثار هذا سخط الطلاب الذين كانوا يظنون أنهم محميون بالحرم الجامعي. فتابعوا مظاهراتهم واشتباكاتهم مع الشرطة، ولم ينته اليوم الرابع إلا وزاد عدد الموقوفين عن بضعة مئات.
من متاريس الحي اللاتيني |
ومن يومها بدأت المسألة تأخذ طابعاً سياسياً. عرض ديغول إجراء استفتاء عام دون جدوى. بدأت الحكومة حواراً مع النقابات. وفي 29 أيار حلّ ديغول البرلمان. وذلك بعد محاولته الفاشلة لاستمالة الجيش لجعله يتدخل في الشأن الداخلي. بدأت الإضرابات بالتراجع من يومها، وتوقفت حركة ما عرف بعد ذلك بأيار 68 في منتصف حزيران. حركة تسببت بجرح نحو ألفي شخص وموت سبعة أشخاص في كل أرجاء فرنسا. وجرت انتخابات برلمانية في الأسبوع الأخير من حزيران فاز فيها الديغوليون!
فشلت الحركة الطلابية والعمالية إذاً يومها في تحقيق مطالبها. ولكن تغيرات
بعض من شعارات الطلاب، في صدارتها: منع الممنوع |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق