هل
ارتفاع درجة الحرارة على سطح الأرض الذي يُشعر به في كل مكان على الأرض هو أمر مؤكد
أم أنه عارض ولا شيء يدعو للقلق؟
الحرارة
التي نشعر بها على سطح الأرض مصدرها الشمس. والإشعاع الشمس الواصل إلى الأرض ينفذ
نحو 70% منه إليها وينعكس الباقي على سطحها ليرتد إلى الجو. وبعض من هذه الأشعة
التي تمتصها الأرض تعاود الانطلاق مرة ثانية إلى الجو كما هو حال أي جسم تم تسخينه سيطلق بدوره أشعة غير مرئية (تحت الحمراء) في الوسط المجاور له. يعيق ابتعاد
هذه الأشعة عن الأرض غازات محيطة بالأرض تشكل الدفيئة الأرضية التي تقود إلى
الاحتباس الحراري. وهذه الغازات تتكون في الأغلب من ثاني أوكسيد الكربون ومن غاز
الميتان ومن الأوزون وبعض الغازات الأخرى وكذلك بخار الماء. وهذه الغازات في
الواقع تعيد جزءاً من تلك الأشعة الصادة عن الأرض إليها وتمتص الباقي في الغلاف
الجوي مما يجعل درجة الحرارة على سطح الأرض وسطياً بحدود 14 درجة مئوية. ووجود هذه
الغازات المحيطة بالأرض والمساهمة في تشكيل الدفيئة هو أمر إيجابي، إذ لولاها
لكانت درجة حرارة الأرض تساوي وسطياً نحو 18 درجة مئوية تحت الصفر. أي لكانت الأرض
في حال صقيع دائم.
يتألف
الغلاف الجوي من الآزوت بنسبة 78% تقريباً والأوكسجين بنسبة 21% تقريباً ونحو 1%
من غاز الأرغون. وهذه الغازات لا تساهم في تشكيل الدفيئة لعدم قدرتها على امتصاص
الأشعة تحت الحمراء التي تطلقها الأرض. ومن بين الغازات الأكثر أهمية في تشكيل
الدفيئة هو غاز ثاني أوكسيد الكربون، ونسبته في الغلاف الجوي صغيرة للغاية. أما
ثاني أوكسيد الكربون فنسبته اليوم هي نحو 0.04% ليس أكثر. ولم تكن هذه النسبة من
العام 1000 ميلادي وحتى منتصف القرن الثاني عشر بأكثر من نحو 0.028% وسطياً كما دلت
على ذلك الحفريات التي أجريت في طبقات الجليد في القطب الشمالي. وهذه النسبة أخذت
في الارتفاع منذ مطلع القرن التاسع عشر مع بدء الصناعة، وهي زيادة مضطردة على نحو
دائم كما تبين ذلك دراسات أجريت في العديد من دول العالم. وثاني أوكسيد الكربون هو المسؤول عن ارتفاع درجة الحرارة على سطح الأرض بنسبة 65%، يليه غاز الميتان بنسبة 20% والباقي لغازات أخرى.
يمكن أن نشير في هذا السياق إلى
أن درجة الحرارة على سطح الكوكب عطارد أقل من درجة الحرارة على سطح الزهرة بنحو
ثلاث مرات علماً بأن الزهرة أبعد من عطارد عن الشمس بنحو مرتين. السبب في ذلك يعود
إلى أن جو الزهرة مؤلف بنسبة 96% منه من ثاني أوكسيد الكربون. وفي الواقع فإن عصور
الجليد على سطح الأرض إنما تعود إلى انخفاض نسبة ثاني أوكسيد الكربون عن نسبة
0.02%. وهذا يعني الحساسية العالية لدرجة حرارة الأرض لنسبة ثاني أوكسيد الكربون
في غلافها.
ولكن
ماذا عن بخار الماء الموجود في الغلاف الجوي، ألا يساهم في تشكيل الدفيئة؟ في
الواقع نعم، ولكن كمية بخار الماء في الجو ثابتة وهي في حالة توازن مع المحيطات
التي تقوم بامتصاص أية زيادة في تركيز بخار الماء في الجو. ومن ثم فإن مساهمة بخاء
الماء في الدفيئة لا تتغير على عكس ثاني أوكسيد الكربون المتراكم باستمرار.
الزيادة
الحالية الوسطية في درجة حرارة سطح الأرض لا تزيد عن درجة واحدة. البعض سيقول بأن
هذا أثر صغير، ولكن الاستمرار في زيادة ثاني أوكسيد الكربون سيزيد من درجة الحرارة
الوسطية. وارتفاع درجة الحرارة هذه بمقدار بضعة درجات سيزيد من تركيز بخار الماء في
الجو بما لا يمكن للمحيطات امتصاصه وهو الأمر الذي سيزيد من درجة الحرارة التي
بدورها ستزيد من كمية بخار الماء في الجو التي ستساهم في زيادة أثر الدفيئة وهكذا
دواليك. وهو ما حدث على سطح كوكب الزهرة كما يعتقد علماء الفلك.
هناك
من يقول إن الزيادة في درجة حرارة الأرض لا تعود إلى الاحتباس الحراري وإنما إلى
تغيرات سببها الشمس وما ترسله إلى سطح الأرض، لكن القياسات والحسابات أظهرت ضعف
أثر هذه التغيرات وهي أقل بنحو ثلاثين مرة عن أثر الدفيئة.
بعض
علماء المناخ يقولون بأن الأرض عرفت قبل نحو مئتي مليون سنة زيادة في ثاني أوكسيد
الكربون بنحو خمس مرات عن الوضع الطبيعي مما زاد في درجة حرارة سطحها بنحو 5 درجات
مئوية، ولكن الأرض تدبرت أمورها وواجهت الأزمة بنجاح. فللأرض وسائلها التي نعرف
بعضها، مثل زيادة كمية الغيوم مع ازدياد رطوبة الجو. وهذه الغيوم ستقوم بحماية
الأرض من أشعة الشمس. ولكن هذه الوسائل ليست مضمونة دائمة والاعتماد عليها ينضوي
على مخاطرة كبيرة.
الأرض
ستحافظ على نفسها كما فعلت ذلك في الماضي مراراً، ولكن من سيدفع الثمن فهو نحن
البشر، وقد يؤدي ذلك إلى انقراض البشرية. لذا علينا أن نفعل كل ما بوسعنا لخفض كمية الغازات المساهمة في تشكيل
الدفيئة وعلى رأسها غاز ثاني أوكسيد الكربون المتأتي عن حرق الوقود الأحفوري
بالدرجة الأولى...فالمشي رياضة مفيدة أو استخدام الدراجة للمسافات المتوسطة أو
استخدام النقل العام. كذلك الترشيد في استخدام الكهرباء، وما شابه ذلك من تصرفات
يومية تفيد في حماية أرضنا.