تعطي
صفة العالمية للحروب التي تشارك فيها دول عديدة، أو تكون بين أكبر القوى الموجودة
على الأرض. وهذا ما حدث في أول حرب عالمية درات رحاها في منطقة قادش، المعروفة
اليوم بتل النبي مندو، في المنطقة الواقعة بين مدينة القصير وبحيرة قطينة قرب حمص
في سورية اليوم. دارت هذه الحرب بين القوتين الأعظم في ذلك الوقت: مصر الفراعنة يقود
جيشها رمسيس الثاني، والحثيون بقيادة مواتالي، الذي ضم إليه تحالف من دول وشعوب ترتبط
مع الحثيين بعلاقات مختلفة. كانت مصر إحدى قوى الأرض الكبرى، وربما أقواها في ذلك
الوقت، والحثيون كانوا في أوج قوتهم يسيطرون على مساحة كبيرة من الأرض تشمل معظم
تركيا اليوم والجزء الأكبر من سورية تنتهي تقريباً عند حمص، وعاصمتها هاتوسا في
الأناضول. حدث ذلك في عام 1274 قبل الميلاد. شارك في معركة قادش أكثر من 20 ألف من
الجنود، و2000 عربة من الطرف المصري وضعف ذلك من الطرف الحثي.
سبب
الحرب هي رغبة الطرفين في السيطرة على الإمارات الوسطى والجنوبية من سورية، وهي
إمارات مبعثرة وضعيفة سياسياً مما كان يجعلها هشة أمام أي تدخل خارجي، لذا حاول
الطرفان السيطرة عليها لحماية حدودهما، وهذه المحاولات امتدت على أكثر من قرنين.
وقبل هذه المعركة كانت العلاقات جيدة بين المصريين والحثيين بالرغم من إقامة
المصريين علاقة حماية مع المملكة الميتانية التي كانت تهيمن على جزء كبير من
سورية. ولكن أحد ملوك الحثيين غزا دولة الميتانيين في القرن الرابع عشر قبل
الميلاد وأخضعها له مما أثار تخوفات المصريين. وجرت محاولات عديدة لتهدئة الأمور، ترغيباً
أو ترهيباً، استمرت على مدى عدة عقود دون أن تأتي أوكلها، سيطر خلالها الحثيون على
كل الممالك السورية ماعدا مملكة عمورو وعاصمتها قادش. ومن ثم كانت المعركة الكبيرة
بين الطرفين للسيطرة على هذه المملكة.
رسم تصويري للمعركة |
دارت
المعركة بقيادة الملك الحثي والفرعون، لا تزال تفاصيلها غير معروفة بالضبط،
فالمصادر متضاربة، ذلك أن كلا الطرفين ادعيا النصر ودوّنا ذلك في عاصمتيهما، ولكن
معظم الدلائل تشير إلى انتهائها بلا انتصار، بالرغم من بدء الحوثيين للمعركة
بطريقة مفاجئة بعد أن تركوا انطباعاً لدى المصريين بأنهم سيغادرون المنطقة، ولكنهم
استداروا ليباغتوا الجيش المصري. وبالرغم من انتصارهم في النهار الأول لكن الجيش
المصري صمد بقيادة رمسيس وأعاد التوازن مع الجيش الحثي وحاول في اليوم التالي تسجيل
انتصار وهذا ما لم يحدث مما دفع بالطرفين إلى قبول الهدنة ووقف القتال بينهما، ولكن
دون توقيع اتفاقية. ربما كان قبولهما بوقف القتال بسبب بعد كل منهما عن قاعدته
وخشيته من هزيمة ستكون كارثية على أي منهما.
رسماً يبين توزع الفرق أثناء المعركة |
لم
تكن هذه المعركة خاتمة المعارك بين الطرفين، فبعد أن سيطر الحثيون على قادش، عاد
رمسيس الثاني أكثر من مرة إلى سورية بغية تأمين حدوده الشمالية، أما الحثيون
فكانوا يحاربون على أكثر من جبهة لينفرط عقدهم بعد عدة عقود من الزمان.
بقي
أن نقول إن رمسيس الثاني سجل على أعمدة الأقصر حيثيات المعركة و"انتصاره الباهر"
وعدد الغنائم التي جلبها معها من معركته الظافرة، ولكنها في الواقع لم تكن أكثر من
بضعة أحصنة ليس إلا. فالإعلام الكاذب ليس من صنع اليوم وإنما منذ الأزل!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق