اللغة العربية... مسألة تنتظر حلاً نور الدين شيخ عبيد
1. اللغة هي وسيلة الناس للتواصل والتعبير عما يريدون في حياتهم اليومية، بشكليها المكتوب والمسموع. وهي لغة واحدة محددة المفردات والمعاني وأدوات الربط والقواعد الواجبة في التعبير تجنباً للبس بين المتكلم أو الكاتب والمتلقي المستمع أو القارئ. وهي تلبي بالضرورة حاجة متكلميها وتتطور مع هذه الحاجة على نحو مستمر. تطورٌ يضيف مفردات جديدة ويميت أخرى بالتقادم وانتفاء الحاجة إليها، كما يصيب قواعدها من زيادة في الضبط أو تبسيط ما يصعب استخدامه. أي أنه تطور يلبي الحاجات ويتماشى معها بما يسمح لأهلها، المتعلمين وغيرهم، أن تكون دائماً وسيلتهم أو أداتهم الطبيعية والوحيدة في التعبير والتواصل كتابة وشفاهة باعتبارها لغتهم الأم.
2. عرفت بعض اللغات تطوراً في فترة ما من حياتها، منها ما تابع تطوره ومنها ما تراجع فمات. ومنها التي تخلى عنها أهلها منشئين عامية أو عاميات، مشتقة منها أو لا، ومن بينها اللاتينية التي ماتت فعلياً، والعربية التي أطلقت على نفسها لقب الفصيحة، ونشأت عنها لغات عامية، بعضها قريب من بعض وأخرى بعيدة، مثل العاميتين الجزائرية والعراقية.
3. والفصحى صفة من المصدر "الفصاحة"، تعني سلامة الألفاظ من اللحن والإبهام وسوء التأليف. والعامية هي لغة العامة، وهي خلاف الفصحى كما يعرّفها المعجم الوسيط. أي أن عامة العرب يتحدثون لغة لا تتصف بالوضوح والدقة! ولكنها اللغة التي يستعملونها في حياتهم اليومية ويلقون بها نكاتهم ويعبرون فيها عن مزاجهم، وهي لغة مسلسلاتهم التلفزيونية التي يفضلونها على الفصحى، التي تبقى ثقيلة على مسامعهم ولا يستطيعون التحدث بها بدون لحن إلا لمن غفر ربي.
4. ظهرت دعوات كثيرة، منذ أكثر من ألف عام وحتى اليوم، بضرورة تعلم اللغة الفصحى وإتقانها ولكن دون جدوى. إصرار يشبه صراخاً في صحراء ممتدة، بلا صاغٍ. فالعربية الفصحى هي ليست اللغة الأم لأحد منذ مئات السنين. يتعلمها الجميع، من عرب وغيرهم، في المدارس، وإن كان تعلم العرب لها أسهل، دون أن يعني هذا أن إتقانهم لها سيكون ممتازاً في العموم. فهي تبقى بالنسبة لهم لغة الكتابة فقط ولغة وسائل الإعلام في أغلب الأحيان، ولكنها ليست لغة التخاطب الشفهي وليست لغة كل المناسبات. حتى مدرسي اللغة العربية لا يستخدمونها في كل ما ينطقون أثناء دروسهم، أما باقي المواضيع فتدرّس بالعامية الخاصة بكل بلد وإقليم مع استخدام كلمات فصحى عند الضرورة، والحال نفسه في الجامعات. وكذلك حال الأنشطة المختلفة من مؤتمرات أو لقاءات أو احتفالات، فهي كلها بالعامية تزينها الفصحى أحياناً. كذلك المسرح والسينما والمسلسلات التلفزيونية، إلا التاريخي منها. واليوم مع أدوات التواصل الإلكترونية تشيع الكتابة بالعامية، وأصبح للعامية المصرية موسوعتها الحرة (ويكيبيديا)، ولا شيء يمنع من أن تحذوا عاميات أخرى حذوها. وتبقى الفصحى بذلك لغة الكتابة التي يحتاج المتوقع نشره منها لمراجعة مختص في القواعد. والناس ماضية في تطوير أدواتها في المخاطبة دون اكتراث بأصل لغاتها التاريخي، فهي تسعى تلقائياً لتلبية حاجاتها بيسر دون اكتراث بفصحاها.
5. ومن نافلة القول إن اللغة الواضحة الوافرة المعاني والسهلة الاستخدام هي أداة أولى في تقدم مجتمع متكلميها. لغة واحدة يسهل التخاطب فيها شفاهة وكتابة، لغة للجميع، يتكلمونها بسهولة ويكتبونها ويقرؤونها بسهولة أيضاً دونما حاجة إلى الرجوع إلى معاجمها وكتب قواعدها إلا عند الضرورة وحالات الالتباس. لغة تسمح للناس بالاستماع إلى المهندس والطبيب والمحامي والشاعر والروائي والعامل وغيرهم دون صعوبة طالما أنهم لا يستخدمون مصطلحاتهم الخاصة بمجالهم الضيق.
6. ما العمل إذاً؟ أليس من الضروري أن نسأل أنفسنا عن كيفية الوصول إلى لغة تفاهم واحدة كتابة وشفاهة، قادرة على التطور وفق ما تمليه الضرورات، وبدون الإصرار على استرجاع ماض انقضى لا يمكن بث الروح فيه؟ قد يكون التفكير في تبسيط العربية الفصحى، كما فعلت لغات أخرى مثل الفرنسية والإنكليزية والعبرية وغيرها، بحيث تصبح سهلة التعلم والاستعمال، حلاً، وربما الحل الوحيد. أما ترك الأمر على ما هو فسيُبقيها (العربية الفصحى) حتى للعرب أنفسهم، أشبه بلغة أجنبية؛ وستبقى العاميات سائدة دون أن تتمكن من بلوغ مستوى اللغة المعيارية، فهي منذ نشأتها وحتى اليوم بلا قواعد ولا معاجم ولا مصطلحات معيارية ولا ضوابط، الخ، أي لغات قاصرة عرجاء.
7. كانت أكبر حجج الداعين إلى العودة إلى الفصحى، وهي عودة مستحيلة كما ظهر، أن العربية هي لغة القرآن ولغة التراث. ولكننا نعلم أنه حتى المتعلمين يلقون صعوبات في فهم كل ما جاء في القرآن، مفردات وتعابير، فما بالنا بغير المتعلمين. كما أن ثلثي المسلمين لا يعرفون العربية! أما كتب التراث فهي للمختصين المؤرخين أولاً وليست لعامة الناس، ومع هذا تحتاج إلى محققين ومفسرين. والحال هذه، فهل سيؤدي تبسيط اللغة العربية وقواعدها لإضعاف فهم أي شيء كُتب في الماضي؟ وهل الماضي أهم من الحاضر والمستقبل؟
8. هذه دعوة للتفكير في مسألة جوهرية دون ادعاء بأنها تحمل "الحل". دعوة يطلقها أستاذ جامعي باختصاص تقاني واجه دائماً مسألة إيصال المعرفة إلى طلابه بلغة بسيطة سليمة، فلا الفصحى أسعفته لرطانته فيها ولا العامية أسعفته لعوزها للدقة والمصطلحات، فبقي بلا لسان ذي بيان.
صدقت فيما كتبت ..... الغريب أننا كشعوب عربية نتحدث بلغة ونكتب بلغة أخرى!! بينما نجد الأقوام الأخرى تكتب بنفس اللغة التي تتحدث بها كالإنكليزية والفرنسية وباقي اللغات الأخرى
ردحذف