هو مواليد فولتا العليا لعام 1949، أصبح
رئيساً لها عام 1983 وأعيد تسميتها بوركينا فاسو. شغل سانكارا منصب وزير دولة
للإعلام عام 1981 واستقال بعد عدة أشهر بسبب وقف الحكومة حق الإضراب مصرحاً
"شقيُّ من يريد توجيه النصال إلى الناس"، وطُرد جراء ذلك وفصل من الجيش.
ولكنه عاد رئيساً للوزراء في نهاية عام 1982 إثر انقلاب قام به ضابط طبيب، وفي عام
1983 أعلن موقفه بالقطيعة مع العلاقة الاستعمارية الجديدة التي تربط بلاده بفرنسا.
وبتأثير هذه الأخيرة على الأغلب أقيل من منصبه ووضع قيد الإقامة الجبرية. ولكن
أعيدت له حريته نتيجة مظاهرات شعبية ساندتها أحزاب اليسار والنقابات. وفي الرابع
من آب عام 1983 وصلت مجموعة عسكرية إلى العاصمة أواغادوغو رافقتها حشود من الناس
نصبّت سانكارا رئيساً للمجلس الوطني الثوري.
قام إثر ذلك بتشكيل حكومة بالتعاون مع الحزب
الإفريقي للاستقلال والشيوعيين. وأعلن أن أهدافه تتمثل في "رفض حالة الإعاشة،
وتخفيف القيود وتحرير الأرياف من التخلف وحياة القرون الوسطى، وإحلال الديمقراطية
في المجتمع، والانفتاح على عالم من المسؤولية الجماعية لبناء المستقبل. تحطيم
وإعادة بناء إدارة الدولة عبر تشكيل صورة أخرى عن الموظف، وجعل الجيش جزءاً من
الشعب عبر العمل المنتج وتذكيره دائماً بأن الجيش بدون خلفية وطنية لن يكون سوى
حفنة من المجرمين".
أحاط نفسه بفريق عمل من المؤهلين. دافع عن
التغيير في العمل الإداري في الدولة، وعن ضرورة العدالة في توزيع الثروة، وعن
تحرير المرأة، ودور الشباب في بناء الوطن. كان من أنصار اللامركزية، وقاوم الفساد
بأشكاله المختلفة. مبتدءاً ذلك بجعل وسائل النقل له وللوزراء من أبسط السيارات
المتاحة وعلى كل منهم قيادة سيارته. أما سيارات الدولة الفارهة فباعها في مزاد
علني وجعل عائداتها في خزينة الدولة. كما حظر على أي مسؤول في الدولة السفر بالدرجة
الأولى في الطائرات. أما الرواتب فكانت بما يكفي لحياة عادية. كان يدافع عن فكرة
أن الفقر هو نتيجة التقاعس والجهل وأنه بإمكاننا أن نتطور بقوانا الذاتية. لذا كان
يطالب في اجتماعاته مع الناس في القرى والمدن أن يجتمعوا ويفكروا معاً في حاجاتهم
وأن يتحركوا لتحقيقها. فالقرية التي تحتاج مدرسة يمكن لأهاليها أنفسهم أن يبنوا
هذه المدرسة، وعليهم أن يطالبوا الدولة في أن تدفع رواتب المدرسين، وإذا لم يكن
بإمكان الدولة أن تساهم فهناك دائماً وسائل لتحقيق ذلك. وكذلك الأمر في حاجاتهم
الأخرى التي قد تصل إلى إقامة سد ترابي يحجز ماءاً عزيزاً في أيام الصيف. وبالفعل
فقد كانت استجابة مجتمعه جيدة في هذا الخصوص وبدأت عملية تنمية حقيقة في البزوغ. وبدأت
تتشكل حياة سياسية في البلاد ومجالس إدارة محلية فاعلة.
لم يكن من أنصار المساعدات الخارجية التي لا
تعطى بدون مقابل ولا تؤتي في الأغلب أوكلها. وهو مناهض للقوى الإمبريالية التي
تسعى للتحكم في مقدرات بلاده عبر المساعدات أو الحماية أو ما شابه. وفي زيارة
للرئيس الفرنسي ميتران لبوركينا فاسو عام 1986، ألقى سانكارا خطاباً اتهم الغرب
وفرنسا خاصة بمواقفها الاستعمارية باستقبالها وحمايتها لشخصيات أفريقية وجنوب
أفريقية موغلة في دماء الإفريقيين. كما ألحّ في مؤتمر أديس أباب للزعماء
الإفريقيين على الرفض الجماعي للدول الإفريقية لدفع ديونها للدول الغربية، وقال "إذا
كان هذا موقف بوركينا فاسو لوحدها فلن أكون معكم في الاجتماع المقبل بكل تأكيد"،
وهكذا كان لأنه قُتل.
أدان دعم الولايات المتحدة لإسرائيل ولجنوب
أفريقيا. ومن على منصة الأمم المتحدة أدان غزو الولايات المتحدة لغرونادا، التي
قامت بدورها بوضع عقوبات تجارية على بوركينا فاسو. كما طالب من على المنصة نفسها
بوقف حق الفيتو للدول الخمس. كان مع أهل الصحراء الغربية في مطالبتهم باستقلالهم
ومع الفلسطينيين ومع أهل نيغاراغوا وبالطبع مع أهل جنوب أفريقيا.
كل هذا سلط عليه الأضواء وجعله شخصية غير
مرغوب بها. ناصبه الكثير من زعماء أفريقيا من أتباع فرنسا العداء، وأعدوا العدة
للإطاحة به، وهذا ما كان في مجزرة قتل فيها مع مجموعة من رفاقه أثناء اجتماع
للحكومة، ودفنوا في حفرة في الأرض ثم نقلت بقاياهم إلى مقبرة قريبة. حلّ مكانه
رفيقه في السلاح بليز كومباوري الذي حكم البلاد حتى عام 2014 عندما استقال إثر
انتفاضة شعبية، وهو من قاد الانقلاب والمجزرة على الأغلب ويعيش اليوم في ساحل
العاج التي كانت ضالعة في الانقلاب.
طالبت زوجته في التحقيق في قضية مقتله، بدأت
المحكمة بجمع المعلومات على تفاصيل الانقلاب والمجزرة، وطالب قاضي التحقيق
البوركيني فرنسا بفتح ملفاتها السرية عن تلك الفترة والخاصة ببوركينا فاسو، وافقت هذه
بدورها على فتح هذه الملفات أمام قاضي التحقيق في تشرين الثاني لعام 2017... سيكشف
قادم الأيام عن تفاصيل مقتل هذا الرجل الذي ينظر إليه الشباب الإفريقي اليوم
باعتباره زعيماً سياسياً تحررياً شريفاً صاحب أفكار خلاقة في التنمية منحت سكان
بلاده، شباباً ونساء، ثقة بأنفسهم ومستقبلهم وخاصة مواقفه السياسية المستقلة عن
الغرب... مستقبل تبحث عنه أفريقيا اليوم بهمة ونشاط، وهي ملاقيته بالتأكيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق