للطبيعة "قوانين" تحكم حركاتها وسكناتها. وهذا يشمل الكون والكائنات كلها، بما في ذلك الإنسان، من دون أن تُعرف مرجعية هذه القوانين والمنطق
الكامن وراءها. فعلى مستوى الكائنات، فكلها تبحث عن الطعام عندما تشعر بالجوع، ومن لم يجد يفنى، حيوان أو نبات، ومن وجد تابع الحياة إلى أن تبلى خلاياه المحركة للحياة فيه، وهذا قانون إذ أن كل من عليها فانٍ. والكائنات اللاحمة تفترس
كائنات أخرى دون "تأنيب ضمير"، بل الأمر أمرٌ طبيعي، وهو قانون. وغريزة
البقاء المتمثلة بدفع كل ما يهدد الحياة بكل قوة ووسيلة هو أيضاً قانون طبيعة. وللكائنات
حواس تستعملها دون رادٍّ لها، فهذه الحواس لها وظائف تقوم بها. فالنظر مفتوح على
كل ما يمتد دون رادع، وكذلك السمع والشم وغير ذلك. وكذلك التكاثر عند
الكائنات الذي يبحث في مواسمه الأنثى والذكر عن بعضهما بغية الإنجاب وفق قانون
طبيعة ملزم للجميع.
ولكن الإنسان من دون الكائنات الأخرى ربما
جعل على نفسه قيوداً وصاغ قوانين يحد فيها مما سمحت له الطبيعة. فهو يغض البصر،
وهو يبتعد عن سماع ما لا يجب أن يسمعه. هكذا طلب من نفسه عبر آداب صنعها. ووضع
قوانين أخرى تمنع كذا وكذا مثل القتل والسرقة والكذب وتطالب بالعدل وما إلى ذلك. وهذه القوانين
أو القواعد هي صنعيّة وليست طبيعية. والاحتدام بين الصنعي
والطبيعي يضع الإنسان في تناقضات وأزمات. فالحفاظ على الحياة وغريزة البقاء أقوى من تعريض النفس للخطر بغية إنقاذ
الآخر الذي تطالب به الأخلاق. والطبيعة بقوانينها تجعل البقاء للأقوى تاركة العدل جانباً. والإنسان بقوانينه يطالب بالعدل
والأخلاق. ولكن ما هو العدل، وما هي الأخلاق؟ سؤال استغرق البشرية منذ وعيها لنفسها وتأسيسها أولى التجمعات البشرية حتى اليوم
دون الوصول إلى تعريف شامل كامل. البعض يقول إن العدل هو احترام القانون. هذا كان
جواب تراسيماكوس السفسطائي لسقراط في حوارهما عن العدل كما جاء في كتاب الجمهورية
لأفلاطون دون أن يقدم سقراط تعريفاً له.
ولكن تراسيماكوس كان ممن يقولون بأن العدل والأخلاق
إنما يبحث عنهما الضعفاء، فالقوي لا حاجة له بكل هذا فهو يأخذ حقه بيده دون منّة
من أحد. والقوانين والأخلاق فإنما يلهث وراء صياغتها وإرسائها الضعفاء فقط، فهي
وسيلتهم للحفاظ على ممتلكاتهم وحياتهم. والطبيعة لا تعرف معنى العدل ولا تعرف معنى
للأخلاق. فكم من مرة أزهقت الطبيعة بأرواح المئات والآلاف بكوارثها أو بعدم
اكتراثها! وهناك من يؤكد موقف الطبيعة العبثي بالقول بأن هناك من يولد جميل، أو
ذكي فطن، أو موهوب، أو قوي البنية والشكيمة وغير ذلك من صفات حسنة. وهناك من هم
عكس ذلك وعليهم أن يجروا خيباتهم. فمن ولد مريضاً سقيماً كيف له أن يفلح في هذه
الحياة. وفي كل الأحوال فإن كل هذا لا يعني شيئاً للطبيعة التي لا تعرف معنى
للجميل أو القبيح، للذكي أو الغبي. إنها مصطلحاتنا البشرية نحن، ونحن من يقع
ضحاياها.
وهناك من يقول بأن الإنسان إنما وضع قيوداً
على نفسه في ظل مسميات مختلفة من عدل وأخلاق ونبل وكرم وشجاعة الخ، ولكن الطبيعة
لا تعرف شيئاً من هذا. فهذا هو الراعي الإغريقي البهي الطلعة غيجيس الذي وجد في
يوم من الأيام خاتماً في شق من الأرض يلمع تحت أشعة الشمس، فاستخرجه ووضعه في خنصره
معجباً بلؤلؤته. ولما أداره إلى باطن كفه شعر بأنه كمن اختفى، أي أن الخاتم المقلوب
يمنحه ميزة الاختفاء. جرّب ذلك في القرية فكان ذلك تأكيداً لما شعر به. ذهب إلى
المدينة وتسلل إلى قصر الملك العجوز دون أن يراه أحد بفضل خاتمه. أعجبت بحسنه وشبابه
الملكة، ووضعا خطة للتخلص من الملك. وهكذا كان بالاستفادة من ميزة خاتمه. وأصبح
الراعي ملكاً وتزوج الملكة. فهذا الذي يمكنه أن يخرق القوانين والأعراف سيفعل ذلك عندما يكون
الآخرون في غفلة منه أو لا يقدرون على رده. وكل الناس بإمكانها أن تكون هذا الراعي إن عثرت على الخاتم السحري. وهو خبث وتسلط لا نراه عند الكائنات
الأخرى ولا في قوانين الطبيعة. وهناك من يجيب على ذلك بأن الإنسان أنتج حياة غير
الحياة التي تقرها الطبيعة. فقد أقام ممالك وملوكاً. وصنع لنفسه قصوراً وملكيات، والطبيعة
لا تعرف ذلك. ولولا ذلك لما قتل الراعي الملك وتزوج الملكة، ولما اهتم حتى بالخاتم.
وكذلك لما كانت لتطرح قضية العدالة.
وبالمناسبة فإن أفلاطون نفسه في كتابه يقول
إن تعريف العدالة يتطلب المدينة العادلة تماماً والفرد العادل تماماً، ولكن
أفلاطون لا يضعنا أمام أي تعريف عملي بالرغم من تأكيده على ضرورة تعريف عميم يقبله
الناس كلهم. أما أرسطو فيقول بأن العدالة هي في أن يأخذ كل ذي حق حقه. ومن أكثر من
كتب في العدالة من المعاصرين الفيلسوف السياسي الأمريكي جون راولز الأستاذ في جامعة هارفارد الذي أمضى حياته يفكر ويكتب في العدالة، وله فيها كتباً عديدة ترجم عدد لا باس به
إلى العربية متوفرة على الإنترنت... بلا عدالة!
ولكن سقراط من جهة أخرى قدم إضافة هامة للغاية في مسألة العدل، فقال بأن العدل يسبب لنا السعادة ونحن نشعر بذلك في داخلنا عندما نرى إحقاق الحق. وبأن الظلم يترك ندبة في النفس مهما كنا من قساة القلوب. وهو يبني على هذه ملاحظة أنه بإمكاننا أن نكون عادلين وأخلاقيين إن تعبنا على أنفسنا ما يكفي وربيناها على ذلك. أي أنه يمكن أن يسود العدل في مجتمع تربى أبناؤه على احترام ومحبة العدل، وكذلك الأخلاق... وإنما قال بتلك "الإمكانية" بالرغم من أن العدل لم يحقق حتى بالنسبة له عندما أعدم بتهم كاذبة... وخلاصة القول فإنما يجب على الإنسان أن يتعلم الأخلاق الحميدة ويعيشها لتكون جزءاً من حياته.... البعض يعتقد بأه هذا كان من أهم مساهمات سقراط.
ولكن سقراط من جهة أخرى قدم إضافة هامة للغاية في مسألة العدل، فقال بأن العدل يسبب لنا السعادة ونحن نشعر بذلك في داخلنا عندما نرى إحقاق الحق. وبأن الظلم يترك ندبة في النفس مهما كنا من قساة القلوب. وهو يبني على هذه ملاحظة أنه بإمكاننا أن نكون عادلين وأخلاقيين إن تعبنا على أنفسنا ما يكفي وربيناها على ذلك. أي أنه يمكن أن يسود العدل في مجتمع تربى أبناؤه على احترام ومحبة العدل، وكذلك الأخلاق... وإنما قال بتلك "الإمكانية" بالرغم من أن العدل لم يحقق حتى بالنسبة له عندما أعدم بتهم كاذبة... وخلاصة القول فإنما يجب على الإنسان أن يتعلم الأخلاق الحميدة ويعيشها لتكون جزءاً من حياته.... البعض يعتقد بأه هذا كان من أهم مساهمات سقراط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق