هذه كلمات نسمعها ونرددها دون تصور دقيق لكل
منها ويمكن المبادلة بينها أثناء الحديث عنها وكأنها شيء واحد. لكن الأمر ليس
كذلك. فالميكروب هو اسم عام، وليس على شيء خاص بعينه، للدلالة على شيء صغير، يبدأ من الغبار الدقيق جداً إلى
أي جسيم صغير لا يرى بالعين المجردة وإنما نحتاج إلى ميكروسكوب لرؤيته. أول
استخدام لهذه الكلمة كان عام 1878 على يد طبيب فرنسي للإشارة إلى كائنات صغرية
تسبب الأمراض. إذ كان الاعتقاد السابق هو أن الأمراض سببها جسيمات ضارة معلقة في بخار
سام لها أن تسبب الأمراض، وأن هذه الجسيمات تتطور في الأوساط غير النظيفة، وأن النظافة كافية لمواجهة تناقل الأمراض. ولكن هذا ليس بالصحيح تماماً، إذ
أن الأمراض يتم تناقلها عبر الهواء ولكن أيضاً عبر الملامسة المباشرة حيث تنتقل العضويات
الميكروية (أي الصغيرة جداً، ومنها جاءت كلمة "ميكروبات") الضارة. وهذا
ما أثبته باستور وغيره في حالات أمراض التفوئيد والسل والسفلس وغيرها. وهذه
الجسيمات الصغيرة موجودة في كل مكان، في الماء والهواء والتراب، في الأمعاء وعلى
الجلد. وعلى هذا الأخير يزيد عددها عن ألف مليار. وهي ليست خطرة بالضرورة، بل بعضها مفيد للكائن
العضوي في تشكيل فيتامين ك وامتصاص المواد الغذائية وهضم السكر والحماية
من الكثير من المضار. ولكن بعضها ضار وحامل أو ناقل للأمراض نجدها في ثلاث فئات:
الخمائر والفطور، ثم البكتيريا، ثم الفيروسات. وفي الواقع فإن ما نسميه ميكروب لا
يمثل طائفة علمية متجانسة، والبعض يقول بأن هذا مصطلح عام لا يحمل معنى محدداً ولا
يمكن الحديث عنه على نحو مستقل وتحديد مواصفاته الخاصة به.
أما البكتيريا فهي عضوية حية صغيرة للغاية (1
ميكرومتر، أي يمكن أن يوجد 50 بكتيريا في فراغ بعرض شعرة) على شكل عُصيّات أو
كرويات دقيقة. تتألف من خلية واحدة بلا نواة، لها غلاف الخلية الخارجي وتتضمن على
مورثات تتناقلها بالتكاثر، وهي تقوم بالوظائف الأساسية للكائن الحي من حيث التكاثر
والحصول على المادة والطاقة من الوسط المحيط. ولها درجة من الاستقلالية ولها استقلابها (أيضها) الخاص بها. وهي أولى أشكال الحياة التي ظهرت على الأرض منذ نحو ثلاث مليارات سنة. يعيش
في جسم الإنسان من خلايا البكتيريا أكثر من ضعف باقي الخلايا. معظمها الغالب غير
ضار لا بل مفيد. ولكن بعضها يقف وراء أمراض معدية خطرة مثل الطاعون والكوليرا
والسل ... والتهابات القصبة الهوائية واللوزتين والشهاق. تقاوم البكتيريا بالوقاية
أولاً بمنع وصولها إلينا، خاصة عبر التقيد بقواعد النظافة والابتعاد عم الأماكن
الموبوءة. وأهم الحمايات هي الجهاز المناعي للإنسان الذي يحاول، وبشراسة، مقاومة
البكتيريا الضارة. وفي حال الانتشار السريع والكبير وفشل الجهاز المناعي في مواجهة
هذه البكتيريا يمكن اللجوء إلى المضادات الحيوية التي يمكن أن تكون انتقائيةً،
بمعنى أنها تهاجم البكتيريا الضارة فقط دون غيرها أو بكتيريا محددة بالذات في حال
اكتشاف نوع البكتيريا الضارة. ولكن هذا لا يخلو من مشاكل على المدى البعيد بالرغم
من أن معظم مكونات المضاد الحيوي هي مكونات طبيعية.
أما الفيروس (كلمة من أصل لاتيني
بمعنى السُمّ) فهو ليس بكائن عضوي مستقل قادر على التكاثر من تلقاء ذاته. أي أنه
ليس بخلية وإنما أقل من ذلك. وهو عبارة عن غلاف بروتيني واق يحمل في داخله مورثات.
لذا فهو بحاجة إلى خلية يحشر نفسها فيها ليتكاثر، لذا فهو طفيلي. وهو عموماً أصغر بعشرين
مرة من البكتيريا وإن كانت الاكتشافات الحديثة تقول بوجود فيروسات كبيرة. ووصول
الفيروس إلينا يكون بالعدوى عن طريق اللمس أو المكوث بقرب حامل للفيروس. ومن لحظة
دخول فيروس إلى الجسم سيقوم بالتطفل على خلايا الجسم بالالتصاق بها أولاً ثم
النفاذ إليها وتحرير مكوناته الوراثية. وسيستفيد من إمكانات الخلية الحيوية
للتكاثر إلى أن يصبح عدد الفيروسات بما لا يمكن للخلية أن تحتمل فتنفجر لتتكرر
العملية بعد ذلك في خلايا أخرى وهلمجرا. من الأمراض الفيروسية مرض نقص المناعة
(الإيدز)، وكذلك الجدري والحمى النازفة والأنفلونزا والزكام... أما مقاومتها فتكون
عبر الجهاز المناعي الذي تعرف إلى هذه الفيروسات في لحظة ما وتعلم مقاومتها كما هو
الحال في الجدري التي لا نصاب بها إلا مرة واحدة، وكثير من أمراض الزكام لا تحتاج
إلى دواء. والوسيلة الأهم في عدم الإصابة بالأمراض الفيروسية، غير النظافة
والوقاية، إنما هي في اللقاحات التي يتعلم الجهاز المناعي عبرها كيفية مقاومة هذه
الفيروسات... وقاكم الله منها ومن البكتريا وكل ما يسبب السقم.
شكرا على الفائدة.
ردحذف