بعد الانفجار الذي
أحدثه الجيل الثاني من الوب من إمكانية إفساح المجال للناس من التعبير عن أنفسهم على
صفحات الإنترنت بواسطة كل الوسائل المكتوبة والمرئية، وخاصة مع الانتشار الواسع
لمواقع التواصل الاجتماعي مع كل من يتضمن ذلك من إمكانية نشر الحسن والسيئ. وهذا
السيئ قد يكون تلفيقات كاذبة تسيء للبعض، أفراداً أو مجموعات، أو قد تكون منشورات
يحتمل أن تسيء إلى فئة معينة مثل الأطفال، أو قد تتضمن أشياء بشعة أو غير مرغوب
بها لأسباب مختلفة. فعلى صفحات يوتيوب وفيسبوك وتوتير وغيرها يجري تحميل آلاف
الفيديوهات والصور يومياً، وليس من سبيل إلى معرفة مضمونها بواسطة برمجيات متخصصة
وإنما الأمر يحتاج إلى تدخل أشخاص يراقبون ويقررون إذا كان للمنشور أن يبقى أم
يرمى به إلى سلة المهملات. فمن يقوم بذلك؟ ووفق أي معايير نقوم بذلك؟
قبل المعايير يمكن
التفكير بأنه يجب مراقبة أي محتوى ينشر على مواقع عامة يجب مراقبته قبل نشره. وهذا
ما تقوم به الكثير من المواقع ذات عدد الزيارات المحدود أو المحدود إلى حد ما، كما هو
الحال في الصحف والتعليقات التي تنشر على مقالاتها أو غير ذلك. وهذه المراقبة يمكن
أن تساعد عليها برمجيات بسيطة نسبياً. أما في حالة الصور والفيديوهات والنصوص
الموجهة فالأمر أكثر تعقيداً. وبعض المواقع تمنع نشر مثل ذلك، ولكن البعض الآخر لا
ينشر إلا ذلك، مثل يوتيوب ومجمل مواقع التواصل الاجتماعي. وهذه المواقع تعلن عن
إعلائها لحرية التعبير لذا اتخذت موقف ترك النشر حراً بدون مراقبة مسبقة وترك
المراقبة لتكون لاحقاً. وهذا يترك الناس أمام مسؤلياتهم من دون أن يعني ذلك أن ما
سينشر سيكون على الأقل غير سيئ. وهذا يعني ضرورة وجود من يقوم بتنظيف هذه المواقع
باستمرار قبل أن تتحول إلى مواقع سيئة بالأحرى ويجب تحاشيها. أي أن على يوتيوب
وفيسبوك وما شابههما مراقبة ما ينشر على صفحاتها وحذف ما هو غير مرغوب به.
وهذا غير المرغوب
به لا يعرّف إلا بالخطوط العامة ويترك لمن يقوم بالتنظيف تقدير ذلك بعد تدريب يقوم
به كل موقع بحسب معاييره. صحيح أن هناك مستوى ثان من المراقبة، أي أشخاص مراقبين
على عمل مراقبي المستوى الأول، ولكن هذا المستوى الثاني لا يمكنه مراقبة سوى 3% من
عمل المستوى الأول. أي أنه لا يمكن التحدث عن جودة عالية لما يبقى لكل الناس
مشاهدته. فبعض المنشورات تحذف دونما ضرورة لذلك والبعض يبقى مع أنه من الأفضل
حذفه.
أما المراقبة
العامة فمن يقوم بها ليسوا من موظفي غوغل (يوتيوب) أو فيسبوك أو غيرهما. ولكن بعض
دول آسيا، مثل الفيليبين، أقامت شركات وظفت فيها أناساً مدربين على مشاهدة ما
ينشر، بعد نشره، وحذفه أو الإبقاء عليه. وعدد هؤلاء الذين يعملون في الدول
الآسيوية يقدر بالآلاف، وهم غير معروفين للناس، ومن المحظور عليهم التعريف
بوظيفتهم وطبيعة عملهم. بعضهم يقيم بالطبع في أمريكا أو أوروبا ولكن عددهم أقل من
هؤلاء الذين يعملون في آسيا. والاختيار الآسيوي ليس في الدرجة الأولى إلا لسبب
الكلفة حيث تنخفض الأجور إلى أقل من العشر عما هي عليه في أمريكا مثلاً. وفي
الدرجة الثانية فهو لصعوبة تحمل مشاهدة بعض الفيديوهات التي قد تؤذي المشاهد
العادي، ورؤية العديد منها في اليوم نفسه فإنما هذا قد يسبب لصاحبه مشاكل نفسية
صعبة قد تودي به، وهذا ما حدث بالفعل في أكثر من مرة. وهو ما يفضّل تجنبه لمن يعيش في دول الغرب.
هناك من يريد من
تيارات سياسية أو عقائدية نشر صور أو فيديوهات، ولكن هؤلاء معروفين من شعاراتهم أو
أعلامهم أو صورهم ويسهل مراقبتهم وحذف منشوراتهم فوراً وباستخدام برمجيات مدربة
على ذلك. بعض الدول تخطر هذه المواقع من فيسبوك وغيره يومياً إلى عدم قبولها
بصفحات أو بفيديوهات محددة خصوصاً ذات المضمون السياسي منها. وهنا تقوم هذه
المواقع بحذف ما يطلب منها خشية أن تمنع مواقعها في تلك الدول خاصة إذا كانت مهمة
بالنسبة إلى هذه المواقع من وجهة نظر تجارية. وهذا يفسر توفر بعض الفيديوهات لبضعة
أيام ثم اختفاءها حتى لو كانت لا تتضمن ما هو سيئ فعلاً.
ومع كل هذا فإن
استغلال مواقع التواصل الاجتماعي وكل المواقع التي تتيح النشر بحرية أولية في
قضايا ذات طابع سياسي وتوجيه الرأي العام كما حدث في انتخاب الرئيس الأمريكي أو
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أصبح قضية هامة تعد شركات هذه المواقع بحلها
وعدم الإساءة إلى الديمقراطية أو حرية الرأي أو استخدام هذه المواقع لتوجيه الرأي
العام وفق مصالح قد تهدف لمجرد الإساءة أو استغلال ذلك لصالحها دون أن يكون في ذلك
الصالح العام.
كان للصحف ووسائل
الإعلام، ولا يزال، إدارة تحرير تقرر ما يجب نشره أو منعه. وهنا فقد كان لوسائل
الإعلام أن تكون محددة الميول، وهي ميول معروفة للناس. أما في حالة مواقع الإنترنت
فالأمر غير ذلك من حيث المبدأ. ونظراً لانتشارها الواسع فإن تأثيرها يحمل الإيجابي
والسلبي ... نحن أمام واقع جديد يتطلب التفكير فيما يجب أن يكون وكل الاحتمالات
الممكنة وتحديد كيفية مقاربتها... كانت الإنترنت في بدايتها قضية تكنولوجية
وتجارية محضة، أهمل القائمون عليها مسألة التحرير وكيفية إدارته. أما اليوم فهي قضية مجتمعية عالمية الطابع تخلق أوضاعاً جديدة يجب
التكيف والتعامل معها بطريقة خلاقة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق