كم
هو صعب تقديم تعريف جامع للسعادة.
فنحن
نستخدم الكلمة في حياتنا دون القدرة على
وضع إطار يحددها.
الفرح
حالة تعبر عن السعادة، راحة البال كما
يقول البعض أيضاً حالة تعبر عن السعادة،
النجاح في الحياة في مجمله حالة لها أن
تجلب السعادة، لقاء شخص نحبه يدخل السعادة
على قلوبنا، وأشياء
أخرى كثيرة تضعنا في "حالة"
سعادة…
ولكن ما هي السعادة؟ البعض يقول بأنها
"الرضى"،
الرضى عن النفس والذات، ولكن هل هذه
السعادة تماثل سعادة لقاء شخص عزيز!
الأمران
مختلفان.
هناك
من ميّز بين السعادة الراهنة المرتبطة
باللحظة أو الساعة أو الماضي القريب جداً.
وهناك
السعادة المرتبطة بالماضي وذكرياته.
فخبر
مفرح يدخل البهجة إلى القلب ويضعنا في
حالة سعادة وهي سعادة راهنة.
كما
أن مشاهدة صور لرحلة أو لحدث مبهج ماض
يضعنا في حالة سعادة أيضاً، وهي سعادة
ترتبط بأحداث ماضية.
لنتصور
أننا نعد للقيام برحلة إلى مكان جميل،
فهل كنا سنذهب إلى هذا المكان إذا قيل لنا
أننا سنتناول حبة نسيان مباشرة بعد الرحلة
تجعلنا لا نتذكر شيئاً منها؟ سؤال
"كيف
الحال"
يرتبط
بالسعادة الراهنة، وسؤال "هل
تشعر بالرضى"
يرتبط
بسعادة الذكريات.
ولكن
هل يمكن قياس السعادة؟
أجريت تجربة في العقد الأخير من القرن
الماضي على شكل استمارة وزعت على شباب
وصبايا وطلب منهم التعبير عن سعادتهم
بوضع علامة بين 0
و
10.
وبعد
إجابتهم على هذا السؤال وزعت عليهم استمارة
ثانية تطلب منهم ذكر عدد المغازلات التي
حدثت لهم خلال الشهر الماضي.
وكانت
النتيجة أن لا علاقة إطلاقاً بين علاماتهم
عن سعادتهم وعدد المغازلات.
في
الوقت نفسه طرح على مجموعة ثانية من الشباب
والصبايا السؤالين نفسهما ولكن بترتيب
عكسي، أي سؤال عدد المغازلات أولاً وسؤال
وضع علامة عن سعادتهم.
وهنا
أظهرت النتيجة ارتباط علامة السعادة بعدد
المغازلات، وبلغت قيمة معامل الترابط
0.66!.
فتذكر
المغازلات وضعهم في حالة سعادة أثرت في
تقيمهم للسعادة.
وهذا
يكفي لتقدير صعوبة تقييم السعادة.
وفي
دراسة أجراها أحد مراكز استطلاع الرأي
الأمريكي شارك فيها 700
ألف
شخص، وحلل بياناتها دانييل كاهنمان من
جامعة برنستون والحاصل على جائزة نوبل
في الاقتصاد لعام
2002.
تبين
من هذه الدراسة*
أن
مستوى
السعادة
الراهنة يتأثر بمستوى الدخل بشكل مضطرد ولكن ذلك يثبت
عند دخل معين (نحو
خمسة آلاف دولار شهرياً)
ولا تتأثر السعادة بعد ذلك،
فمثل هذا الدخل كاف لإشباع حاجاتنا
المباشرة اليومية.
أما
السعادة المرتبطة بالماضي فترتبط على
نحو مستمر بالدخل وتزداد معه،
ذلك أنه يجب ملء الحاضر، الذي سيصبح
ماضياً، بأحداث تجلب البهجة عند تذكرها
في المستقبل.
وفي
كل حال فإن هذه الدراسة بالرغم من اشتمالها
على 700
ألف
شخص، فهي تخص الثقافة الأمريكية التي
تربط كل شيء بالمال، والأمر سيأخذ مساراً
مختلفاً في ثقافة أخرى قد يكون لها مقاربة
أخرى للسعادة التي نرجوها لكم جميعاً...صحيح أن الغنى لا يجلب السعادة ولكن الفقر لا يجلبها هو الآخر.
*D.
Kahneman et A. Deaton, High income improves evaluation of life but
not emotional well-being, PNAS doi:
10.1073/pnas.1011492107 (2010)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق