لا يزال سر الكتابة لغزاً محيراً، كيف بدأت ولماذا؟ ما تركته الآثار
السومرية تشير إلى أن الأصل إنما كان العدّ، الذي ترافق مع صياغة العقود التي
أنشئت بداية على أساس ما للمتعاقدين من حقوق قائمة على التعداد وبعض العمليات
الحسابية البدائية، لتتطور بعد ذلك إلى كتابة للكلمات عبر ما يعرف بالكتابة
المسمارية.
إلا أن دلائل جديدة من مناطق أخرى تشير إلى أسباب أخرى. فقد عثر
باحثون من جامعة يأل الأمريكية على رسوم مماثلة للكتابة الهيروغليفية تعود إلى
5250 سنة خلت في منطقة جنوب مصر قرب مدينة تدعى "نخب Nekheb التي تسمى الكاب حالياً"، وبالإغريقية
تسمى هيراكونبوليس، أي مدينة الصقور التي كانت تسود فيها عبادة الإله الصقر
"حورس"، وتقع هذه المدينة إلى شمال مدينة أسوان على مسافة نحو 100 كم
منها.
وذلك العام يعود إلى فترة سابقة لفترة الأسر الحاكمة الفرعونية، ويطلق
عليها غالباً فترة "الصفر" التي تلتها فترات العائلات الفرعونية التي
حكمت مصر، وأول عائلة هي تلك التي وحدت مصر العليا مع مصر السفلى بدءاً من العام
3100 قبل الميلاد. ولم يستخدم فراعنة مصر الكتابة حتى عهد الفرعون زوسر (2686 ق.م.
– 2600 ق.م.)، وهو الفرعون الأول أو الثاني من الأسرة الثالثة، الذي أنشئت أيامه
الأهرامات المدرّجة (المصاطب). واستعملت الكتابة أيامه لإدارة إمبراطوريته، ولم
يكن للكتابة حتى ذلك الوقت سوى وظيفة سحرية ودينية ولتخليد الفرعون أحياناً.
الهيروغليفية الكبيرة الأولى |
وما الاكتشافات الأخيرة للرسوم الهيروغليفية الأولى التي عثر عليها
بقرب مدينة "نخب" بضخامة أشكالها (اٌرتفاع 50 سم) إلا دليلٌ على دورها
الرمزي، وهي تتألف من أربع علامات كتبت من اليمين إلى اليسار، على نمط الكتابة
الهيروغليفية اللاحقة، تمثل أشكالاً لحيوانات وطيور ستتكرر لاحقاً في الكتابة
الهيروغليفية، كانت ترمز إلى الدورة الشمسية ومفهوم الضياء معبرة عن هيمنة سلطة ما
على الكون. أي أن بداية الكتابة هنا تعود إلى أصل ديني، وليس أصل وظيفي... ولا
غرابة في ذلك إذا أن جل الحضارة الفرعونية هو حضارة ترتبط بمفهوم قدامى المصريين
عن العالم الآخر وآلهته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق