المنطقة الجغرافية لحضارة وادي الهندوس |
نتحدث غالباً عن حضارتي
سومر والنيل باعتبارهما أولى الحضارات الإنسانية، ولكن حضارة ثالثة كانت قد بدأت في الألف الخامس قبل الميلاد في وادي نهر الهندوس والأنهر التي كانت تصب
فيه. ومنطقة هذه الحضارة كانت تشمل شمالي غرب الهند وباكستان الحالية وبعضاً
من أفغانستان وجنوب شرقي إيران. بنت هذه الحضارة مدناً كما في حالة الحضارة
السومرية والفرعونية، وطورت الزراعة وتدجين الحيوانات والتجارة. وكانت لها ديانتها
وكتابتها. ولكنها حضارة لم تستمر واندثرت في الألف الثاني قبل الميلاد لأسباب لا
تزال مجهولة.، وبقيت منسية حتى اكتشافها الذي كان في عام 1920.
هذه الحضارة لم تبدأ من
الصفر وإنما استندت إلى ما تم قبلها في ميادين الزراعة، خصوصاً في منطقة بلوشستان الواقعة
غرب الوادي. أقدم مواقع ما قبل هذه الحضارة يعود إلى نحو العام 6500 قبل الميلاد
حيث زرع القمح وتم تدجين عدد من الحيوانات. كما أن صناعة الفخار بدأت في هذه
المنطقة بتاريخ يعود إلى نحو عام 5500 قبل الميلاد. وعلى هذه القاعدة من المعارف
والمهارات نشأت حضارة وادي الهندوس، التي نشطت فيها الزراعة في مطلع الألف الرابع
قبل الميلاد، وبناء المدن، وشبكات تجارية ارتبطت مع مناطق النشاط الأولى
ومع مناطق المواد الأولية. ومن بين الزراعات التي قامت في تلك المنطقة زراعة
البازلاء والحمّص والسمسم والتمر والقطن، وتم تدرجين الجاموس.
أطلال مدينة موهنجو دارو |
بلغ عدد سكان هذه المنطقة
خمسة ملايين في ذروته، وكان قاطنو بعض المدن يعدون بالآلاف، وأخذت ثقافة مشتركة
بالظهور في الألف الثالث قبل الميلاد على مساحة كبيرة مقارنة بمساحة انتشار الحضارة
السومرية أو الفرعونية. بعض المدن والآثار التي خلفتها هذه الحضارة تبدو وكأنها نتيجة
تخطيط مسبق وليست تحصيل حاصل، وهذا ما يجعلها سابقة على الحضارتين الأخريين. وهذا
التخطيط أو التدبير يعني أنه كانت هناك وحدة سياسية تهيمن على تلك المنطقة الكبيرة.
استمرت هذه الحضارة مزدهرة نحو 700 عاماً، وبدأ انحدارها فجأة حيث أخذ الناس
يهجرون مناطق عيشهم مع مطلع الألفية الثانية قبل الميلاد لصعوبة حصولهم على قوتهم.
هاجر الناس إلى مناطق مختلفة حاملين معهم معارفهم التي ظهرت نتائجها فيما بعد في
مناطق مختلفة من بينها الهند الحالية بالطبع.
ختم من أختام مدينة موهنجو دارو |
السؤال الذي لا نملك
حتى اليوم جواباً عنه هو: لماذا اختفت هذه الحضارة؟ وفي الواقع فإن المعلومات التي
نملكها اليوم لا تزال محدودة لا تسمح بالقطع في كثير من الأمور الخاصة بها.
فالكتابة التي استخدمتها لم نتمكن من فك رموزها حتى الآن، والكتابات الباقية
محدودة الكلمات، وأحياناً محدودة جداً. ولا نعرف شيئاً عن النظام السياسي لهذه
الحضارة، ولا عن ديانتها أو دياناتها، ولا نعرف أسماء مرجعية في هذه الحضارة تسمح
بالإمساك بطرف الخيط كما يقال. إحدى الأطروحات المعقولة عن اختفاء هذه الحضارة
تقول بحدوث حركات في طبقات الأرض في وادي الهندوس (ومن المعروف أن هذه المنطقة
ليست مستقرة جيولوجياً تماماً حتى اليوم) أدت إلى تسرب مياه الفروع التي كانت تصب
في نهر الهندوس وضياعها، ومن ثم جفاف المنطقة وانقطاع رزقها مما أدى إلى هجرة
الناس التي تؤكد المكتشفات الحالية أن سببها الرئيس كان القحط وليس الحروب... فهذه
الحضارة، فيما نعرف حتى الآن، لم تعرف الحروب، وقاكم ووقانا الله شرورها ومآسيها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق