انتشار المانوية بمدارسها المختلفة |
هي ديانة أعلنها
"ماني" الفارسي في القرن الثالث بعد الميلاد، وهي مزيج من الديانة
الزرادشتية والبوذية والمسيحية. وإن أعلنت هذه الأخيرة الحرب على الديانة المانوية
لأسباب تتعلق بديانة روما في القرن الثالث وللعداء المستتب بين الروم والفرس. ولكن
هذا لم يمنع انتشار هذه الديانة في منطقة جغرافية واسعة من الصين حتى البلقان ومن
تركيا حتى مصر وبعض من الجزيرة العربية. ولكن لم تعتمد هذه الديانة أية دولة وتنشرها مما
أدى إلى زوالها عملياً في القرن الحادي عشر.
تقوم هذه الديانة
على أسطورة مؤسسة تقول بانفصال الضوء (عالم الرب) عن الظلمات (عالم أمراء الظلمات).
ونتيجة للفوضى في العالم الثاني اقترب جزء منه من عالم النور ليشهد الومض وتتجلى الرغبة بالنفاذ إلى العالم الأول. وهنا أوكل الرب إلى "الإنسان الأول" –الذي
ولدته أمُّ الحياة، وهي نفسها من طرف الرب- بحماية مملكته. ولمساعدة الإنسان في
مهمته أمده الرب بخمس قوى هي: النار والماء والريح والنور والمادة (التراب).
وبالرغم من كل جهود النور فإن الظلمات تتغلب على الإنسان وتسجنه فيها. ينادي
الإنسان الرب طالباً العون فيبعث له بـ"نفس الحياة". وهذه الأخيرة تحاول
إعادة الإنسان إلى مملكة النور عبر الشمس والقمر والنباتات المتصاعدة نحو السماء
وغيرها. ولكن قبل انتهاء العملية أصدر أمراء الظلمات الأمر بتوحد شيطانين لتشكيل
إنسان أول مزيف لحبس آخر ومضة نور لم تجتذبها "نفس الحياة" إليها. وهكذا
وجد وبقي الإنسان: جسده سيء ونفسه حسنة.
وعلى هذا الأساس
تقول الديانة بعالمين: عالم النور الذي توجد فيه النفس الإنسانية، وعالم الظلمات
الذي يوجد فيه الجسد. والخير أو الحسن مرتبط بعالم النور، أما السوء فمرتبط بعالم
الظلمات. والمعركة بين الحسن والسوء هي إحدى أسس الديانة المانوية. ولكي تتحرر نفس
الإنسان بعد الموت من حلقة التقمصات وبلوغ مملكة النور فعليها الابتعاد عن كل ما
هو مادي أثناء حياتها. وهذا ما يمكن أن يتم عبر الإنجيل الحي، إنجيل ماني.
يقوم نظام الكنيسة
المانوية حول ماني نفسه باعتباره حواريّ المسيح، وحوله اثني عشر معلم أو
"أبناء الرحمن". وحول هؤلاء تتشكل الدائرة الثالثة المؤلفة من ستة أبناء
أنارتهم شمس المعرفة، ويساعدهم ستة من أبناء الفطنة. وهؤلاء كلهم في عالم النور.
أما الحلقة الرابعة فهي مؤلفة من عديد من "الأخيار" يسمون أبناء وبنات
الحقيقة وظيفتهم الوعظ والغناء والتدوين والترجمة. أما الدائرة الخامسة فتتألف من
السامعين أو أبناء وبنات فهم القضايا. وإذا كان على أفراد كل حلقة متطلبات قاسية
فإن حلقة السامعين لا يطلب منها إلا احترام الوصايا العشر. أما
"الأخيار" فعليهم إطاعة قواعد أكثر قسوة، منها عدم القيام بأي شيء يؤدي
إلى إيقاف حياة أي كائن سواء بالصيد أو الحرب، كما عليهم التفكير ملياً فيما
يقولون ويأكلون، وهم نباتيون بالضرورة، كما عليهم الامتناع عن رغبات الجسد. أي أن
عليهم أن يكونوا مثالاً يحتذى لطبقة السامعين. وهم يمثلون المرحلة الأخيرة التي
تسبق "كرما" مملكة النور. وفي المانوية يولد الطفل إما من الأخيار أو
من السامعين، ومن كان من السامعين فعليه أن يبذل جهداً ليكون من الأخيار في حياة
ثانية. كما أن هذا لا يمنع أن يعود أحد الأخيار إلى طبقة السامعين عقاباً.
وفرائض الديانة
المانوية تتمثل في الصلاة (أربع مرات يومياً) التي تهدف إلى إخراج النور المحبوس
في المصلي. وهي صلاة فردية. والاعتراف الذي يجري أمام أحد الأخيار. أما الأخيار
فيصلون سبع مرات في اليوم ويقومون الليل ويعتزلون في فترة القمر البدر للصلاة،
ويدرسون كلام ماني ويغنون الأناشيد السبعة
يومياً. أما السامعون فيحفظون كتاب ماني ويغنون عندما يمكنهم ذلك ويصلون أربع مرات
يومياً ويصومون الأسبوع استعداداً للاعتراف يوم الاثنين من كل أسبوع، ويتزكون
بمعظم ما يملكون للكنيسة. أما الأخيار فلا يملكون شيئاً.
جاء في مقدمة إنجيل
ماني:
"أنا، ماني،
حواريّ عيسى المسيح وفقاً لمشيئة الرب، ومن أب الحقيقة الذي منه أتيت، الذي يعيش
منذ الأزل وإلى الأبد، الذي كان قبل كل شيء وسيكون بعد كل شيء. وأوجد كل ما كان
وكل ما سيكون بقوته. ومنه أتيت وإليه سأعود. وهكذا فقد نتجت من حقيقته. وهذه
الحقيقة أعلنتها لأخوتي. وأعلنت السلام لأبناء السلام. لقد بشرت بالأمل بجنس لا
يموت. لقد اخترت وأشرت إلى الطريق العليا لهؤلاء الذين يرغبون بالنفاذ إلى تلك
الحقيقة".
إنها ديانة من بين
ديانات كثيرة انتشرت لفترة ثم انقرضت. من أشهرها الديانات الفرعونية والسومرية
والإغريقية والرومانية، وربما كانت المانوية آخر الديانات المنقرضة. وهي لم تكن سوى تعبيراً عن زمان ظهورها ومكانه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق