ما هو
العلم؟
تستخدم كلمة العلم كثيراً في الحديث اليومي دون أن يكون تعريفها حاضراً في الأذهان، لذا
فهي تستعمل أحياناً بمعناها الصحيح وأحياناً لا، وإنما لإضفاء صفة أكثر موثوقية
للحديث. وفي الواقع فإن كلمة علم لم تستخدم على نحو معرّف إلا منذ عهد قريب، وهو
تعريف يخضع للتعديل من وقت لآخر.
وكلمة علم
ليست بقديمة جداً. فهي اشتقت من الكلمة التي تعني المعرفة في أيامنا هذه دون أن
يكون لها هذا الاتساع في أيام استخدامها الأولى. ففي حوار غورجياس الذي دوّنه أفلاطون يأتي ذكر المعرفة باللفظة episteme tou nein، أي
معرفة كيفية السباحة. وهذا النمط من المعرفة يعود أرسطو ليؤكده بسبب جانبه العملي.
ترجمت هذه الكلمة من الإغريقية إلى اللاتينية في scire التي
اشتق منها scientia
أو الكلمة التي نستخدمها "علم" science.
وللعلم
اليوم تعريفان، أحدهما "التعريف العام" والثاني "التعرف الدقيق". وبحسب الأول فالعلم يشمل ثلاثة معانٍ:
1.
المعرفة بأشياء تفيد في تدبر أمور الحياة أو الأعمال.
2.
مجموعة المعارف المكتسبة عبر الدراسة أو الممارسة.
3. التراتبية المعرفية، بمعنى تنظيم وتركيب المعارف
باستخدام المبادئ العامة (نظريات، قوانين،...)
أما في التعريف الدقيق،
فالعلم هو "المعارف الواضحة والمؤكدة عن شيء ما، المؤسسة إما عبر مبادئ واضحة
أو عبر البراهين، أو عبر المحاكمات التجريبية، أو عبر تحليل المجتمعات والوقائع
الإنسانية". وهذا التعريف يسمح بالحديث عن العلوم المؤكدة (الرياضيات)، وعن
العلوم التجريبية (علوم الطبيعة)، وعن العلوم الإنسانية مثل الفلسفة وعلم الاجتماع الخ.
وهناك حديث عن علوم
كثيرة، فمن منها علومٌ فعلاً ومن منها غير ذلك؟ إن لموضوع ما أن يشكل في مجموعه
علماً إذا بنى على فرضيات ونظريات تقبل: 1) الاختبار والتحقق عبر التجربة والقياس
(قياس تمدد المعادن بالتسخين مثلاً)، و2) التنبؤ عبر نظرياته بما سيكون (معرفة
مقدار التمدد نتيجة تغير الظروف الجوية بدون التجريب والقياس)، و3. كان قابلاً
للتفنيد، أي للنقاش والتصويب (إعادة النظر في تفسير التمدد بحسب تقدم المعارف في
مواضيع أخرى).
الفيزياء والكيمياء تحقق
هذه المواصفات وغيرها أيضاً. أما مواضيع مثل "علم النفس" فهي لا تحقق
ذلك ومن هنا الموقف المتردد للكثيرين من العاملين في العلم باعتبار "علم
النفس" علماً، ذلك أن الكثير من فرضياته لا يمكن قياسها والتحقق منها مثل
"اللاوعي". كما أن الاقتصاد لم يعتبر علماً إلا منذ فترة قريبة بالرغم
من صعوبة مواضيعه وتعقيدها وحساسيتها للمؤثرات الخارجية مما يضعف قدرته على التنبؤ.
بقي أن نقول إنه لا
إمكانية لقيام علم ما إلا إذا تحقق: 1) وجود نظام أو ترتيب في الكون، 2) يمكن للعقل
الإنساني أن يدرك هذا النظام، 3) إنه في ظل الظروف نفسها سنحصل على النتائج نفسها،
أي قابلية التكرار!... وللحديث تتمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق