المجتمع هو بناء عناصره الأفراد والأسر المرتبطين معاً بما يضمن العيش
المشترك واستقرار المجتمع وتقدمه ورخائه. أحد عناصر الربط الفعّالة هو القيم التي
يعتمدها المجتمع ويرعى احترامها. هذه القيم هي النواظم الأساسية لكل ما يتصل بالحياة
الاجتماعية وهي المكون الأساس لثقافة المجتمع. ومن أول هذه القيم وأكثرها حضوراً
في مختلف المجتمعات احترام حياة الأفراد، وكذلك احترام حقوق الأفراد مهما كان نوعها،
مادية أم اعتبارية. وهذه القيم أنتجت أخلاقاً يتسم بها الأفراد وتضبط تصرفاتهم
وسلوكهم. والأخلاق ترسم عموماً تصرفات الأفراد في المجتمع الواحد دون مرجعية قانونية بالضرورة. فبر الوالدين، ومساعدة المحتاج، والإحسان، وقول الحق،
والتزام الصدق وغير ذلك هي أخلاق تساعد على تماسك المجتمع واستقرار العيش فيه.
تواجه المجتمعات في تطورها مشكلات مستجدة، بعضها حلها معروف والبعض الآخر لا.
أي لا نعرف كيف نتصرف إزاءها. فالموت الرحيم Euthanasia مثلاً، بكل إشكالياته وتداعياته، سيصطدم بقيم راسخة كثيرة مثل احترام
الحياة وعدم المشاركة في القتل. فما العمل؟ وكذلك مسألة أطفال الأم
البديلة أو الرحم المستأجر تطرح سؤال الأحقية في الأمومة، وهو سؤال معلق بلا جواب
قاطع. دراسة مثل هذه القضايا وتحديد قواعد للسلوك إزاءها يسمى بفلسفة الأخلاق أو
الأخلاقيات.
فلسفة الأخلاق هي فصل هام من فصول الفلسفة. وهي ككل مواضيع الفلسفة التطبيقية،
تتحدث عما سيكون، على عكس فروع العلم التي تتحدث عما هو كائن. أي أن للعلم زمن
المضارع ولفلسفة الأخلاق زمن المستقبل. وكما أن للعلم صفة عدم الارتباط بالزمان
والمكان من حيث النتائج. أما فلسفة الأخلاق فهي مسألة سياقية، أي أنها ترتبط
بالزمان والمكان. من جهة أخرى، هناك فرق كبير بين نظريات الأخلاقيات ونظريات
العلوم. ففي العلوم نستند إلى القوانين الطبيعية، وهي قوانين تعمل بلا تدخل من
الإنسان وبمعزل عن إرادته، أما قوانين فلسفة الأخلاق (إن وجدت) فهي لا تعمل بدون
الإنسان وبدون إرادته، أي إن فلسفة الأخلاق غير موجودة في الطبيعة، وإنما أوجدها
الإنسان، وهي تجعل أفعال الإنسان في فئتين: حسنة وسيئة. ولكن عدم وجود المبادئ
الأخلاقية في الطبيعة لا يعني أنها غير موضوعية، ففلسفة الأخلاق في منهجها وعملها
لها ميزات المنهج العلمي نفسه، بمعنى قابليتها للتكرار، ولها مبرراتها وتتيح
التنبؤ وتسعى لأن تكون صالحة في كل مكان وزمان. وفلسفة الأخلاق منطقية في منهجها
وتجريبية كما العلوم الأخرى. والفرق يكمن في أن نظريات فلسفة الأخلاق أو قواعدها
هي خيارية، اختارها البشر، وهي ليست تعبيراً عن قانون من قوانين الطبيعة.
والأخلاق ترتبط بمفهومي الحسن والسيئ، الصح والخطأ، الخير والشر الخ، والحدود
بينهما. وهو تمييز يبدو واضحاً أحياناً وغير ذلك أحياناً أخرى. فمعرفة الصح والخطأ
هي سياقية أحياناً، فالقتل العمد بغير حق إثم في كل الأعراف والتشريعات والقوانين،
ولكن كيف سيكون موقفنا إزاء ترك من لا أمل في شفائهم يموتون بوقف معالجتهم حتى لو
طلبوا ذلك بأنفسهم؟ أين الحسن أو السيء في هذه الحالة؟ كيف لنا أن نتأكد بأنه لن
يوجد في الغد علاج لهؤلاء المرضى؟ وكذلك موقفنا من الكذب الذي تعافه كل القيم، ولكن
هل يمكن اعتبار ذلك فعلاً لا أخلاقياً عندما يتعلق الأمر بإخفاء طبيب حقيقة مرض
عضال على صاحبه؟ فإن قال له الحقيقة أساء إليه وزاد في شقائه وإن أخفى عنه حقيقة
مرضه فهو كاذب. ولكن في هذا خير للمريض، وهنا يتحول الكذب إلى عمل أخلاقي! ولكن ما هو
الحسن وما هو السيئ؟... وللحديث تتمة.
فلسفة الأخلاق... في الحسن والسيئ
فلسفة الأخلاق... قصة البحارة الأربعة
فلسفة الأخلاق.... وسائق الشاحنة
فلسفة الأخلاق... في الحسن والسيئ
فلسفة الأخلاق... قصة البحارة الأربعة
فلسفة الأخلاق.... وسائق الشاحنة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق