يترافق ذكر اسم
سقراط بالحكمة. فقد قالت عنه عرافة ديلفي في عام 420 قبل الميلاد بأنه "أحكم
من في أثينا". كان له من العمر وقتها قرابة الخمسين. لم يترك أثراً مكتوباً.
أغلب الظن، كما يشير إلى ذلك دارسو سقراط، أن ذلك يعود إلى اعتقاده بأنه لا يمكن
فصل الحقيقة عن القائل بها، وعن اللحظة التي يعلن بها عنها. والحقائق بالنسبة له
ليست أشياءً بعينها وإنما حقائق فلسفية. أي أنها دعاوى يفترض عبرها أشخاص عاقلين أحرار
إنها الحقيقة، أي حقيقة خاصة بهم، عبر الطريقة التي يلتزمون بها مع هذه
"الحقيقة". فأي حقيقة نظرية بالنسبة لسقراط هي حقيقة عملية،
تعتمد على الشخص الذي يمسك بها، والأثر الذي تتركه فيه. لذا يسميها حقيقة وجودية.
كان سقراط من أتباع
الحوار، يحاور من حوله في مسائل الحياة، ويحاور تلاميذه وأتباعه. كان جل اهتمامه
ينصب على شحذ حس الحقيقة لدى طلابه. ويترك محاوره يكتشف بنفسه أن ما يظن أنه حقيقي
لا يكفي، وأنه لم يصل بعد إلى ما هو حقيقي. وهو صاحب مقولة "أعرف أني
لا أعرف شيئاً" التي اعترف بها لعرافة ديلفي. وقوله هذا لم يكن بدافع التواضع
وإنما كان يريد قول: بأني شحذت حسيَ للحقيقة لدرجة أن مطالبتي بالحقيقة لم تعد
ترضى بالمظاهر الحقة التي أعتبرها أحياناً مقبولة. وأن ما أملكه فعلاً هو المطالبة
بحقيقة أسمى، وليس الحقيقة نفسها.
كانت والدته قابلة،
وكان يقول بأنه مهنته مثل مهنة والدته، فهي تساعد النساء على الولادة، أما هو فيساعد
على ولادة التفكير. فهم معلم، ولم يكن تعليمه تلقينياً، وإنما تعليم إيقاظ لحس
الحقيقي، وهو حس موجود لدى الجميع، ولكنا نستعجل إرضائه في كثير من الأحيان بأقصر
الطرق. كان سقراط يؤمن بالإنسان إيماناً عميقاً، وبأن لدى الجميع حس الحقيقة الذي
يجب إيقاظه.
موت سقراط |
حكم البرلماني
الأثيني على سقراط بالموت بتهمة الكفر وعدم احترام الآلهة وتحريض الشباب على
التخلي عن معتقدات آبائهم. هذا ما رواه أفلاطون، ولكن آخرين أشاروا إلى غير ذلك.
فلم يكن في طبع سقراط إثارة حنق الآخرين ولا التحريض، وهو أول من جعل الأخلاق
فصلاً من فصول الفلسفة. البعض يقول بأن غيرة سياسي فاشل، وشاعر من أنصاف
المتعلمين، وخطيب مغمور هي التي كانت وراء المطالبة بإعدامه، وقدموا ذريعة لذلك
موقفه المزعوم من الدين. وافق المجلس المؤلف من 501 عضواً بأغلبية 280 على إعدامه
وتركوا له حرية اختيار طريقة موته، فاختار السم الذي تجرعه بالرغم من أن السجان
وبعض من تلامذته دبروا له هروباً آمناً مؤكدين له بأن قوانين أثينا جائرة. لكنه
أجاب: إني موجود بفضل هذه القوانين التي تبقي على الدولة.
كتب أفلاطون وغيره
أشياء كثيرة على لسان سقراط. لكن لا أحد يستطيع التأكد من أن ما كتبوا عن لسانه هو
له فعلاً. فأفلاطون لم يبد الكتابة إلا بعد أكثر من عشر سنوات أمضاها مرتحلاً بعيداً
عن أثينا، فكيف له أن يتذكر ما كان سقراط قد قاله في حواراته الطويلة. يجمع دارسي سقراط على القول بأن
أفلاطون اعتمد الحوار السقراطي كأسلوب في الكتابة، ليس إلا. كما يجمع دارسو سقراط على القول بأنه كان يدعو للفضيلة وتعليمها واكتسابها لأنها ليست شيئاً يوجد مع الإنسان. ومن بين الفضائل التي كان يؤمن بها الشجاعة والعدل والتأني والصبر. فقد كان سقراط شجاعاً في حياته وفي موته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق