البكاء ظاهرة طبيعية
لدى الإنسان تتمثل في تساقط قطرات الدموع من العينين. السبب الكامن وراءها أحدها فيزيائي
وآخر نفسي. وهي تخص الإنسان دون غيره من المخلوقات. فالإنسان يبكي حزناً ويبكي
فرحاً، يبكي من الألم أو من الخوف ويبكي ابتهالاً وتقرباً، يبكي ذكريات خطرت ويبكي
حنيناً طارئاً، يبكي اهتزازاً بلحن أو أغنية أو نشيد أو جملة ذات صدى في النفس،
كما يبكي لمشهد مؤثر وجدانياً... وهكذا فاللائحة طويلة في جانبها النفسي وقصيرة
جداً في جانبها الفيزيائي.
وفي جانبها الفيزيائي
فالبكاء تساقط الدموع. وهو تساقط لا يختص به الإنسان لوحده وإنما كائنات أخرى. وهناك
نمطان من تساقط الدموع: الأول إفراز أساسي دائم تقوم به الغدد الموجودة في الجفون،
بين الرموش، التي تصدر دموعاً عبارة عن دهون ومخاط وماء. وهذه الدموع الدائمة تسمح
بترطيب وتغذية القرنية، وبدونها ستفقد القرنية شفافيتها. أما المخاط فيشكل جزيئات
حماية من أشياء مثل الغبار. أما النمط الثاني فهو إفراز ارتدادي يعتمد مباشرة على
الغدة الدمعية الموجودة في الزاوية العليا للعين، وهي دموع رداً على مؤثر خارجي
يجعل الدموع تجري خارج العين. وهي تتألف في أغلبها من الماء وبعض المواد المضادة
للبكتيريا. وقد يكون سببها إما فيزيائي مثل وضع الإصبع في العين، أو تقطيع البصل. أو نفسي كرد فعل
انفعالي من حزن أو فرح أو ما شابههما. وهذه تقف خلفها شبكة من العصبونات لا نعرف
بالضبط آلية عملها وإنما هي من يصدر الأمر لهذه الغدة بالإدماع. ولكن نعرف أن لبعض الهرمونات تأثير في الإدماع أو البكاء، مما
يجعل بكاء النساء أكثر من بكاء الرجال بأربع مرات. وفي الأسباب النفسية فهي جزء من
آليات الإنباء بالخطر أو بالإجهاد النفسي مثل القلب الذي تتسارع نبضاته أو تغير
لون البشرة من شحوب أو احمرار، وكلها لشد الانتباه إلى النفس ذاتها.
والبكاء لغة بحالها
عند الأطفال للإنباء بأنهم جوعى أو أنهم يتألمون أو أنهم غير راضين. وفي كل مرة
تختلف شدة البكاء وإيقاعه. كما أن البكاء عند الكبار مفيد إذ إنه يساعد على التخلص
من حالة انفعالية مرهقة لا يمكن التعبير عنها لغوياً أحياناً... وقد يكون مضللاً كما في حالة دموع التماسيح.
والبكاء دليل على
الحزن بأكثر منه أي شيء آخر، كما هو شائع عموماً لدى الناس وفي معظم الثقافات. والبكاء على ميت قريب
أمر طبيعي. وفي بعض المجتمعات يؤتى بنساء مهمتهن البكاء (البكاءات)
للتعبير عن قيمة الفقيد ومكانته عند أهله. ولكن البكاءات أيضاً عرفن في أساطير
أوروبا الشمالية في القرون الوسطى باسم "الباشني" يأتين من العالم
الآخر للإنباء بالموت، موت أحد في منطقة ظهورهن، وهن في حالة أنين واختلاج أو
بمظاهر أخرى.... ولكنهن إناث وليسوا ذكوراً... قد يكون ذلك مجرد صدفة أو لأن
النساء، كما ذكرنا، سخيّات دمع لا يكفكف... أو لأن الرجل يبحث عن تحمليهن كل
المآسي!... وفي كل الأحوال فإن منظرهن يثير الرغبة بالبكاء كما تظهر صورهن المفزعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق