تنتشر مقاهي
ستاربكس اليوم في نحو ثمانين دولة حول العالم وبعدد ينوف عن 28 ألف مقهى، منها
ملك شركة ستاربكس ومنها برخصة منها. النسبة الأكبر في الولايات المتحدة، ولكن
أكبر المقاهي مساحة يقع في شنغهاي الصينية. تمتاز هذه المقاهي بسعة مساحتها حيث
يشعر مرتادوها بالراحة والسعة. وهي تقدم القهوة ومشروبات ساخنة وباردة وحلوى
بعلامة تخصها لوحدها. وهي ذات جودة معقولة، وأسعار مرتفعة نسبياً بحيث يكون
مرتادوها من طبقة معينة تجعلهم يشعرون بتميزهم حتى لو كانوا من طبقة اجتماعية
أدنى. تحمل مشروباتها وأطعمتها أسماء برنّة إيطالية تعيد صدى في الذهن يرتبط بطيب
المذاق دون أن تكون بالضرورة ذات أصول أو ارتباطات إيطالية. الخدمة التي تقدمها لزبائنها
أكثر من لائقة، والنُدُل (جمع نادل) مدربون على التعامل مع رواد مقاهيهم بأريحية
ودفء، وينادونهم أحياناً بأسمائهم. تتميز مقاهي ستاربكس بالنظافة في كل
مرافقها. وكذلك مصممة من حيث توزيع الكراسي والطاولات والأثاث بما يشيع لدى الرواد
جو من الألفة والراحة. كانت الفكرة الرئيسية وراء هذه المقاهي هي أن تكون
"المكان الثالث" للناس بعد البيت والعمل... مكان آخر يختلف عن البيت
ومكان العمل ومحبب يمكن للزبون البقاء ما طاب له مع حاسوبه أو أصدقائه.
ولكن هذا ليس إلا
لتحقيق المزيد من الأرباح. ففي الوقت الذي تهتم به مقاهي ستاربكس براحة زبائنها
فإنها لا تبدي الاهتمام نفسه براحة العاملين لديها وذلك على عكس ما تحاول ادعاءه. صحيح
أن العاملين في مقاهي ستاربكس الأمريكية يستفيدون من بعض الميزات مثل الضمان الصحي
وغير ذلك. إلا أنهم جميعاً ملاحقون بتحقيق أرباح في كل يوم بما يفوق الأرباح التي
تحققت في اليوم نفسه من العام السابق. وإن كان الأمر كذلك على مدار السنة فسيحصل
العاملون على مكافئة بسيطة، وإن كان غير ذلك فسيقوم المقهى بخفض عدد ساعات
العاملين وتنخفض بذلك رواتبهم. فأجورهم تحسب بعدد ساعات العمل، وهي أجور ليست
بالمرتفعة. والعمل يبدأ من الصباح الباكر ويستمر إلى ساعة متأخرة في الليل. وعند
انخفاض وتيرة العمل في ساعات قبل الظهيرة مثلاً يكون على هؤلاء القيام بأعمال
التنظيف، من النوافذ وحتى الحمامات. أي أنهم مطالبون بالعمل المستمر بلا توقف أو
لحظات هدوء وسكينة.
وغير العاملين
وقضاياهم الكثيرة مع ستاربكس، فإن هذه المقاهي غالباً ما تجد وسائل للتحايل
والهروب من دفع الضرائب في العديد من الدول بحجة إغلاق مقاهيها ومن ثم تحويل
العاملين فيها إلى باطلين عن العمل. ففي فرنسا لا تدفع هذه المقاهي ضرائب لأن
الكلف الاجتماعية التي يدفعها أصحاب العمل للمؤسسات الاجتماعية لتغطية العاملين
لديهم عالية جداً، وفي حالة ستاربكس فهذا سينعكس على كلف الخدمات التي ستؤدي زيادتها
إلى إحجام الناس عن هذه المقاهي ومن ثم إغلاقها! وللعلم فقط فقد كانت أرباح مقاهي
ستاربكس في عام 2017 أكثر من ملياري دولار.
كما أن ستاربكس
تدعي في مناسبات عديدة أنها من أنصار البيئة وتضع ذلك في دعاياتها، إلا أن الحقيقة
غير ذلك. فما تقدمه من مشروبات ومأكولات يكون في كؤوس وصحون كرتونية خاصة بها.
وهذه لا يمكن إعادة تدويرها كما هو الحال في الورق المقوى. السبب في ذلك أن كؤوس
وصحون ستاربكس تتضمن طبقة بلاستيكية رقيقة للغاية لوقاية مستخدميها من السوائل.
وهذه الطبقة لا يمكن فصلها عن الورق المقوى. وعدد الكؤوس والأصحن التي تقدمها مقاهي
ستاربكس عبر العالم ينوف عن مائة ألف كاس وصحن في الثانية الواحدة. وبالرغم من مناهضة
أنصار البيئة وفضحهم لموقف ستاربكس وإنشائهم لحائط من كؤوس ستاربكس أمام مقر
الشركة في سياتل في الولايات المتحدة، وقبول الشركة بتخصيص مبلغ عشرة ملايين دولار
لتمويل أبحاث تؤدي إلى كؤوس وصحون صديقة للبيئة، إلا أن شيئاً من هذا لم يتغير.
وغير ادعاء شركة
ستاربكس باحترام البيئة فقد ادعت أيضاً دعمها للتجارة العادلة. والتجارة العادلة
هذه تعني إزالة الوسطاء بين المنتج والمستهلك. فهؤلاء الوسطاء يضيفون على المنتجات
هامش ربح لهم يكون على حساب المنتج والمستهلك. لذا فمن يقبل من محلات البيع
بالتجارة العادلة عليه أن يشتري مباشرة من المنتج بسعر منصف ويبيعه للمستهلك بسعر
منصف أيضاً. وبما أن هذه الشركة تحتاج إلى كميات كبيرة من القهوة فقد وعدت مزارع
عديدة في أمريكا اللاتينية بشراء القهوة منها مباشرة بأسعار معقولة وتقديمها
لزبائنها لتتمكن بذلك من وضع شعار التجارة العادلة على منتجاتها بما يخلق لدى
زبائنها إحساس بأن ستاربكس ذات أخلاقية عالية. ولكن هذا لم يحدث بالفعل، فقد
استخدمت ستاربكس وسيطاً بينها ومزارع القهوة مما جعل دعمها للتجارة العادلة مجرد
دعاية كاذبة.
بدأت ستاربكس في مطلع
سبعينيات القرن الماضي في بلدة سياتل الواقعة في شمالي غرب الولايات المتحدة. كانت
محلاً لبيع قهوة ممتازة في أحد أحيائها الغنية. اكتشف أهل المدينة مع هذا المحل
معنى القهوة الجيدة فزاد عدد محلات ستاربكس. لم تكن تقدم شراب القهوة في البداية.
وأصبح في سياتل ستة محلات. أخذت المحلات بالازدياد في الولاية وكذلك بالانتشار في الولايات وأصبحت ستاربكس شركة مقرها سياتل.
وظفت الشركة مدير أعمال هو هوارد شولتس
رأى فيها مستقبلاً باهراً وطلب من أصحابها الأول إجراء تعديلات وتغيرات بحسب
تصوراته وعلى أن تقدم شراب القهوة "الإكسبريسو"، فكرة استوحاها أثناء رحلة
قام بها إلى إيطاليا. لم يستجاب إلى طلبه في البداية، وقبل به من ثم على مضض عام 1984.
وانتهى الأمر بشولتز أن اشترى ستاربكس بمبلغ 3.8 مليون دولار عام 1987. وقيمتها
اليوم تزيد عن 75 مليار دولار. وبلغت قيمة مبيعاتها من منتجاتها نحو 22 مليار
دولار في عام 2017... كان شولتز هو صاحب فكرة المكان الثالث، وصاحب الكثير من
الأفكار البراقة مثل أن العاملين في الشركة هم جزء من الشركة وهم شركاء فيها، بكل
ما في ذلك من ادعاء ... إنه واحد من بياعي الأحلام والأوهام ... ولكن تفكيره كان
صائباً عندما عزم على الانتقال إلى المستوى العالمي. فكل ما يأتي من أمريكا، من
طعام أو شراب أو سينما أو موضة وغير ذلك مقبول ومقبول جداً في كل أنحاء العالم ... فالقوي
يفرض ثقافته وذوقه وميوله وسطوته أيضاً!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق