يبنى القرار في العادة
باستشارة المعنيين أو استمزاج آرائهم كما يقال. وهذا يعني طرح الموضوع على
المعنيين الذين سيعبرون عن آرائهم بنوع من التصويت يفهم منه صاحب القرار ميل
الأغلبية ويبني قراره على هذا الأساس. ولكن التصويت أو ما شابه يتطلب فرز الأصوات بمعنى عد الأصوات الموافقة وغير الموافقة كذلك. وهذا العد غير متاح دائماً لأسباب عملياتية. فالأستاذ الجامعي الذي يلقي محاضرة في
مدرج يضم نحو 400 طالب كيف له أن يقرر ميل أغلبية الطلاب عند طرح سؤال تأجيل امتحان أو
تركه في موعده المقرر؟ فهؤلاء سيعبر الطلاب عن رغبتهم بالتأجيل برفع الأيدي مثلاً. سيتمكن الأستاذ من معرفة ميل الأغلبية إذا كانت نسبة الأيدي المرفوعة كبيرة على نحو بارز للعيان، مثل رفع نحو 70% من الطلاب أيدهم. أما إذا كانت النسبة بنحو 50% فلن يكون له
إمكانية التقرير إلا بعد عدّ الأيدي المرفوعة، وهذا سيستغرق وقتاً وقد يتعثر الأمر
ويبقى السؤال معلقاً.
فهل يمكن معرفة الأغلبية
بدون عدّ الأصوات؟ الجواب نعم. وذلك باستخدام الخوارزمية البسيطة الآتية: على كل
شخص أن يحدد موقفه بالأغلبية آخذا بالاعتبار صوته وصوت من هو على يمنه ومن هو
أمامه، أي بالتحري بين ثلاثة أصوات. فإذا كان هو موافق ومن على يمنه أو أمامه موافق أو كلاهما موافقين فيبقي في حالة
موافقة. أما إذا كان هو موافق ومن على يمنه ومن أمامه غير موافق فيكون القرار هو
عدم الموافقة، أي عليه أن يخفض يده. وقيام كل شخص بذلك خلال فترة وجيزة سيصل
بمجموع الأشخاص إلى حالة مستقرة بيّنة تماماً بأغلبية موافقين أو غير موافقين. قد
يضطر الشخص نفسه خلال تلك الفترة الوجيزة أن يبدل موقفه نتيجة تبدل موقفي الشخصين
المحيطين به، ولكن الأمر سيستقر بعد برهة وجيزة. ومن ثم سنصل إلى معرفة قرار
الأغلبية بدون عدّ الأصوات. وهذه النتيجة ستكون مطابقة لرأي الأغلبية في لحظة البداية حتى لو كانت أغلبية بسيطة.
بمعنى أنه إذا كان عدد الأصوات الموافقة لتأجيل الامتحان هو 51% مثلاً، فسيكون
الأمر بعد تطبيق الخوارزمية لعدة مرات متتالية هو مع التأجيل بما يمكن معاينته
بالنظر وبدون عدّ للأصوات. وعند تكرار تطبيقها لعدد كبير من المرات على جمهور الطلاب
ستقترب نسبة الموافقة من النسبة الكاملة.
يمكن توضيح ذلك باستخدام
ورقة ذات مربعات، كل مربع يعبر عن تصويت طالب ما، وتلوين أصوات الموافقين باللون الأسود وترك المربعات الباقية بيضاء للإشارة إلى غير الموافقين. وإذا كانت نسبة
المربعات السوداء في البداية أكثر من 50% (16 سوداء و 14 بيضاء مثلاً) واستخدام الخوارزمية السابقة
سنصل إلى ورقة ملونة بالأسود. طبعاً تبقى حالة مربعات الأطراف التي لا مربع فوقها
أو على يمينها فيمكن تركها على حالها كما يبين ذلك الأشكال التالية بعد تكرار
العملية مرتين فقط. وهو تكرار ذاتي لا يتطلب تدخل الأستاذ الذي سيرى أن الأغلبية
مع تأجيل الامتحان بعد فترة وجيزة من المراقبة.
وهكذا فيمكن للأغلبية أن
تعرب عن نفسها بدون تدخل أحد. وهذه الطريقة كانت موضوع نظرية برهنها مجموعة من
الباحثين في الرياضيات عام 2013 يمكن الاطلاع على البرهان على هذا الرابط، مع التمنيات
بقراءة مفيدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق