بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 1 أغسطس 2017

لافونتين... الراعي والملك


شيطانان يتقاسمان حياتنا كما يشاءان،
طردا العقل من معقله.
ولا أرى أحداً لا ينساق لهما راضياً.
إن سألتموني عن حالتهما واسمهما،
فأُسميّ أحدهما الحب والآخر الطموح.
وهذا الأخير يمد مملكته ما وسعت؛
ويسعى لضمّ الحب إليه.
كنت أود جعل ذلك بيّناً؛ ولكن هدفي أن أقصّ
قصة ملك أتى براعٍ إلى بلاطه.
الحكاية مما مضى وليست من الزمن الذي نحن فيه.
إذ رأى الملك قطيعاً من الغنم غطى الحقول،
ترعى بنهم مكتنزة الأبدان،
تدر عطاءً كبيراً بفضل راعي الرعيان.
أعجب الملك به وبمهارته.
أنت تستحق أن تكون راعياً للناس؛
فاترك خرافك هذه وتعال ارع البشر.
سأجعلك قاضياً سيداً.

ها هو راعينا وبيده الميزان.
بالرغم من أنه لم ير من الناس إلا الناسك جاره،
وقطيعه وكلابه والذئب ذو الأسنان،
ولكنه كان فطناً لمّاحاً؛ والبقية تأتي لوحدها.
الخلاصة أنه أجاد وأجاد فيما اؤتمن.

هرع الناسك جاره يقول:
هل أنا في علمٍ أم حلم؟
أنت الأفضل! أنت الأعظم! أتتحدى الملوك:
فعطفهم متلون خداع؛ والأسوأ
أنه يكلف غالياً؛
وأخطاء مثل هذه لا تأتي إلا بآلام جسام.
أنت لا تعرف في أي منزلق تنزلق.
أكلمك كصديق. كن حذراً من كل شيء. الآخر يضحك،
ويتابع الناسك:
أترى، لقد وضع البلاط على عيناك غشاوة.

إني أرى ذلك الأعمى الذي في رحلة ما
اختبأ ثعبان متيبس من البرد
تحت يده، وظنه الأعمى سوطاً،
إذ ضاع سوطه ساقطاً من زناره.
وشكر السماء للمصادفة السعيدة،
إلى أن رأه أحدهم فصرخ: بماذا تمسك يا رجل!
إلق بهذا الحيوان المخادع اللئيم،
هذا ليس بثعبان هذا سوط.
إنه ثعبان صدقني. أي فائدة أجنيها من هذا الرعب؟
أتريد هذا الكنز لك؟ لما لا؟
فسوطي اهترأ؛ وقد وجدت آخر مناسب؛
وأنت لا تتكلم إلا من حسد.
لم يصدقه الأعمى؛
وفقد حياته بعد قليل.
إذ وخَذَ الثعبانُ المتدثرُ الأعمى.

أما أنت فأجرؤ على التنبؤ
بأن مصيرك سيكون أسوأ.
أوف، وماذا سيصيبني غير الموت؟
ألف مصيبة ستحل، قال الناسك النبي.
وهذا ما حدث بالفعل، فلم يكن الناسك مخطئاً.
فقد حل في البلاط الكثير من الفاسدين بأوجه مختلفة،
وجرأة القاضي وفضائله،
كانت موضع شك الأمير. فهناك من يوشي وهناك من يحرض
متهمون ومجروحون من قراراته.
فمن أملاكنا بنى قصراً كما قالوا.

رغب الأمير في رؤية أملاكه الواسعة؛
ولم يجد في أي مكان سوى الإملاق،
طوبى للقفر وللفقر؛
كانت هذه نفائسه.

وكما قال البعض، فلديه أحجار ثمينة.
تملأ صندوقاً كبيراً موصداً بعشرة أقفال.
الملك نفسه لمّا فتحه أدهش
كل الغلاة المنافقين.
فلم يكن فيه إلا المزق،
ثياب حارس القطعان،
طاقية صغيرة، وقميص وبنطال وجراب،
ومزماره أيضاً كما أظن.
كنز ناعم كما قال لنفسه، ملابس رثة عزيزة
أثارت عليك الحسد والتلفيق،

سأرتديكم ولنخرج من قصور الغنى هذه
كما لو نخرج من حلم.
معذرة مولاي وغفرانك.
كنت أتوقع سقوطي في صعودي تلك القمة.
لقد استهواني ذلك جداً؛
فمن ليس له في الطموح نصيب؟






هناك تعليقان (2):

  1. في بداية المقطع الثّالث، هل سقطت كلمة "إلى": "هرع الناسك (إلى)جاره يقول:"

    ردحذف
    الردود
    1. لا، لأن من هرع هو الناسك، االناسك جار الراعي (الذي أصبح قاضياً)...

      حذف