من أفريقيا ... الإنسان العاقل واللغة

ظهرت الأنواع الإنسانية الأولى في أفريقيا كما تشير إلى ذلك كل الدراسات التي تؤكد ذلك على نحو مطلق. وهذه الأنواع عرفت تطورات كثيرة، بعضها اختفى أو انحل مع أنواع أخرى. هاجر بعضها خارج أفريقيا، انقرضت كلها ما عدا نوع واحد سمي بالإنسان العاقل Homo Sapien خرج من أفريقيا منذ نحو قرابة 60 ألف سنة وانتشر في أرجاء الأرض من مشرقها إلى مغربها.

كان هذا الإنسان حاملاً لصفات وراثية غنية وهو في أفريقيا، ولكن هجرته وتباعد جماعاته جعلته يعيش في مجموعات تأخذ في الصغر كلما ابتعدت عن المركز مما جعل المجموعات الأبعد أقل غنى من الناحية الوراثية نتيجة للتزاوج بين أفراد هذه المجموعات الصغيرة والمحدودة العدد. وهذا في الواقع ما أكدته دراسة المورثات على ألف شخص ينتمون إلى نحو خمسين مجموعة بشرية في مختلف أرجاء المعمورة. يظهر المخطط انخفاض التنوع وسطياً طرداً مع الابتعاد عن أديس أبابا (الحبشة). وهذا ما يؤكد من جهة أخرى نتائج الدراسات التاريخية للإنسان.

من جهة أخرى، قالت مجموعة من الدراسات بأن اللغة ظهرت في أفريقيا منذ قرابة مائة ألف عام وليس من مكان آخر. وهذا ما تؤكده دراسة -نشرت على موقع أطلس العالم للبنى اللغوية WALS- على الفونيمات اللغوية (الأصوات الأساسية المميزة للغة والتي بواسطتها تلفظ كل الكلمات. وهي تختلف عن الحروف. ففي الإنكليزية مثلاً لا يوجد حرف "شْ" ولكن الفونيم موجود ويُعبّر عنه بالحرفين sh. وفي الأبجدية الإنكليزية يوجد 26 حرفاً (للكتابة) ولكن يوجد 44 فونيماً (حرفاً صوتياً)). وأظهرت هذه الدراسة تنوعاً كيراً في فونيمات اللغات الأفريقية وأن هذا التنوع يتضاءل مع الابتعاد عن أفريقيا. وهذا يؤكد مرة أخرى أن اللغات انطلقت من أفريقيا قبل غيرها. صحيح أن الاختلاف هنا لا يظهر بجلاء التباين في المورثات، ذلك أن التباين في الفونيمات يتأثر بعوامل كثيرة منها عدد متكلمي اللغة... 

الأصل إذن في أفريقيا، ولكن هذا لم يمنع الفروع من الاعتداء على أفريقيا والأفارقة في جوانب عديدة أقلها العنصرية البغيضة.