أثينا من أقدم مدن العالم القديم. عاش فيها الإنسان منذ
العصر النيوليتيكي، أي منذ الألفية العاشرة قبل الميلاد. تأسست كمدينة في القرن
التاسع قبل الميلاد حول هضبة الأكروبوليس، وهي هضبة صخرية من بين هضاب عديدة في
منطقة أثينا. وتقول الأسطورة إن من بناها هو البطل الأسطوري ثيسيوس Theseus، أحد
أبطال شبه الجزيرة اليونانية، وهو ابن الشخصية الأسطورية إيجه وإيترا، إحدى بنات
أحد ملوك اليونان. أما معني ثيسيوس فهو "المؤسسة"، وهو موحد اليونان
القديمة في أمة واحدة جاعلاً من أتينا عاصمتهم.
هيمنت هذه المدينة على اليونان في منذ الألفية الأولى
قبل الميلاد وبلغت أوج ازدهارها في القرن الخامس قبل الميلاد، وكانت على رأس تحالف
عسكري مؤلف من جيوش تابعة لعدة مدن يونانية أخرى ساهمت في دحر الغزو الفارسي في
مطلع القرن الخامس قبل الميلاد.
وغير ذلك، فقد كانت أثينا العاصمة الثقافية لدول المتوسط بامتياز. فهي التي احتضنت شيوخ الفلاسفة أمثال سقراط، وعمل وعاش فيها أفلاطون
حيث أسس أكاديميته، وكذلك أرسطو أشهر الفلاسفة التطبيقيين والمؤسس الأول لما يعرف
اليوم بالمدرسة (الليسيوم). وغير هؤلاء، فقد عاش فيها كتاب المسرح أمثال إسخليوس وسوفوكليس
وأريستوفانيس.
وفيها أقيمت مبان ومعابد لا تزال آثارها باقية يقصدها الزوار من كل
أرجاء العالم. من أهمها الأكروبوليس، الذي يعني "المدينة العالية" ويضم
معبد آلهة الحكمة "أتينا" كما يضم "البارثينون" الذي كان يوضع
فيه كنز المدينة. وغير الأكروبوليس، تضم أثينا ما كان يسمى بالأغورا، أي "الساحة
الكبيرة"، حيث يجتمع الناس لمآرب شتى، تبدأ من عرض البضائع وتنتهي بعرض
الأفكار، وتجمع الفقير والأمير. وككل مدن التاريخ القديم، فلأثينا متحفها الشهير
الذي يحتوي على كنوز تاريخية فائقة الجمال.
وغير كل هذا فقد كانت أثينا أول جمهورية في التاريخ
الإنساني أنتجت ديموقراطيتها حياة فكرية ثرية عبر فلاسفتها ومفكريها. ومن أشهر ما
كتب في ذلك "جمهورية" أفلاطون أو مدينته الفاضلة. وفيها حددت مواضيع الفلسفة الرئيسية القائمة حتى اليوم. من فلسفة العلم إلى فلسفة الأخلاق إلى فلسفة الجمال وفلسفة السياسة. من بين أهم
المواضيع التي ناقشها فلاسفة هذه الجمهورية موضوع العدل الذي لم تتوقف الكتابة ولا
التفكير فيه من يومها، فرأس الحكمة في العدل.
وبعد الفترة الهيلينية خبا نور أثينا لصالح روما
بقوتها العسكرية، ومن بعد روما أصبحت أثينا إحدى محميّات الدولة البيزنطية، واحتلها
الأتراك في عام 1456 وبقيت تابعة لهم حتى عام 1822. احتلت في الحربين العالميتين
وعاشت حرباً أهلية بين عام 1946 وعام 1949.
وهي اليوم عاصمة اليونان الحديثة ومركز نشاطها
الثقافي والاقتصادي والحكومي، ففيها كل المؤسسات الحكومية الرئيسية. عدد سكانها
حوالى 700 ألف نسمة، ولكن ضواحيها التصقت بها لتشكل مدينة واحدة يزيد عدد سكانها
عن أربعة ملايين نسمة، وهذا يعني أن أكثر من ثلث سكان اليونان يعيشون في هذه
المدينة! ولما لا! فغير العمل تحلو فيها الحياة بمختلف أوجهها من طقسها الجميل على
مر العام إلى توفر كل الخدمات اللازمة. وفيها أقيمت أول الألعاب الأولمبية عام 1896 وكذلك أقيمت فيها مرة ثانية عام 2004.
بقي أن نقول إن آلهة الحكمة "أتينا"، التي
يقبع معبدها في الأكروبوليس، هي ابنة زوس، رب الأرباب، خرجت من رأسه
تحمل رمحها وترسها مطلقة صرخة الحرب فداء لألم رأس أصاب أباها زوس. وأتينا هذه هي
ابنة أبيها ولا والدةً لها... وبذلك ولدت آلهة الحكمة من الرأس لمحاربة الألم!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق