كشفت سلسلة من التجارب التي أجريت على
الشمبانزي عن أنها تفضل الطعام المطبوخ على الطعام النيء، ولكنها غير قادرة على طبخ
الطعام كما هو الحال عند الإنسان، وإن أظهرت في بعض التجارب قدرة على التعامل مع
بعض أدوات تحضير الطعام لإجراء تغيير في المواد النيئة بما يشبه الطبخ ولكن الأمر
ليس بتحضير للطعام كما هو الحال عند الإنسان.
والواقع أن بدايات تحضير الطعام عند الإنسان لم ترافق وجوده الأول بل أمضى
فترة طويلة من الزمن يأكل النباتات والخضار النيئة. والبدايات الأولى لطهو
الطعام ظهرت قبل حوالى مليوني سنة مع الإنسان المنتصب كما تشير إلى ذلك البدايات
الأولى لاختراع أدوات الطعام من حجارة وعظام.
ولم يستخدم الإنسان النار لتحضير الطعام في البداية، ولكنه استخدمها
للإضاءة ليلاً والتدفئة أولاً والحماية من الحيوانات المفترسة تالياً، ثم في تحضير
الطعام.
وفي الواقع فإن تحضير الطعام يتطلب أولاً القدرة على التفكير السببي، بمعنى أن وضع المادة
كذا مع مادة أخرى سيؤدي إلى مادة جديدة أفضل مذاقاً، وهذا ما لا يتوفر إلا عند
الإنسان. وكذلك يتطلب طهو الطعام قدرة تنبؤيه، بمعنى أن الطبخ يتطلب كذا وكذا من
المواد التي يمكن جمعها معاً، أي أن هناك عمليات تحضير تسبق بدء الطهو. ثالثاً، إن
تحضير الطعام يتطلب الصبر، أي احتمال الجوع حتى ينضج الطعام بالطهو، وهذا الاحتمال
هو عمل عقلي غير معروف إلا عند الإنسان أيضاً.
والطعام المطهو، غير أن مذاقه أفضل، فهو أسهل في الهضم، وأكثر فائدة من حيث
الطاقة التي يقدمها الطعام المطهو مقارنة بالطعام النيء. كما أن ذلك وسّع من سلة الإنسان
الغذائية، فالخضار ذات القشور السميكة أصبح تناولها ممكنناً بفضل طبخها. وكذلك
فإن الطبخ يقلل من ضرر بعض الخطار التي إن أُكلت نيئة تسبب عسر هضم على الأقل. كما
أن تحضير الطعام بالطبخ مكّن الإنسان من تناول اللحوم في حين كان اعتماده الأول
والأكثر على النباتات.
وتعلم الإنسان طهو الطعام واعتماده على ذلك في غذائه أحدث تغيرات
فيزيولوجية، تمثل أولها في تغير في الأسنان، وثانياً في جهازه الهضمي الذي لم يعد
بحاجة إلى التعامل مع مواد عسيرة الهضم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق