يُعتقد بأن أقدم الكتابات التي وصلتنا عن العمارة والهندسة تعود إلى كتاب De Architecture (في العمارة) الذي كتبه في القرن الأول قبل الميلاد البنّاء الكبير ماركوس فيتروفيوس بوليو Marcus Vitruvius pollio. يُلخص الكتاب حالة فن البناء ويصف التقانة الإغريقية والرومانية ذات العلاقة بحيث يمكن لقيصر ذاك الزمان (أوغسطوس) تقدير جودة المباني القائمة والحكم على مشاريع البناء المقترحة.
منزل إغريقي بحسب فيتروفيوس |
اعتبرت دراسة
فيتروفيوس رائدة جداً في عصر النهضة الأوروبية. والكتاب هو مجموعة من عشرة "كتب"
كل منها جزء من كامل العمل –أي ما يمكن أن يسمى فصلاً في وقتنا الحالي، واسم
الكتاب المعروف به اليوم هو "الكتب العشرة في العمارة". كان فيتروفيوس
مهندساً مدنياً ومهندساً عسكرياً في أيامه، شارك في الكثير من المعارك كمهندس آلات
حربية.
وفي مطلع الكتاب
الأول، الذي يسمى وفقاً للمصطلحات الحديثة بالفصل الافتتاحي، يصوغ فيتروفيوس
المواصفات المطلوبة في المهندس:
"على من يرغب أن
يكون مهندساً أو معمارياً أن يمتلك ليس فقط المواهب الطبيعية، ولكن التوق الشديد
للتعلم، فالنبوغ بلا علم والعلم بلا نبوغ لن يكونا كافيين للفنان المكتمل. عليه أن
يكون جاهزاً مع قلم، وماهراً في الرسم، ومتدرباً على الهندسة (الهندسة
الرياضياتية) ولا يجهل علم الضوء، محباً للاستماع إلى الفلاسفة، ويفهم الموسيقى،
وله بعض المعارف في الطب والقانون، وأن يكون قد درس النجوم ومسارات الأجرام
السماوية". وهي نظرة متقدمة حتى في أبامنا هذه.
رسم توضيحي لإحدى آلات رفع المياه في نسخة فينيس لعام 1511 |
بقي هذا الكتاب
كتاباً للهندسة بامتياز حتى القرن الخامس عشر حين أعاد صياغته الإيطالي ليون
ألبرتي عام 1452. ومن بين من تأثروا بهذا الكتاب في أعمالهم الفنان الإيطالي
الشهير ليوناردو دافنتشي ومعاصره وسابقه مايكل أنجلو في لوحته الشهيرة المسماة رجل
فيترفيان التي تمثل رجلاً فاتحاً ساقيه وذراعيه حيث تقع نهاية أطرافه الأربعة على
محيط دائرة وعند ضمها تقع على محيط مربع وذلك تمثيلاً للفقرة التي يتحدث فيها فيتروفيوس
عن تناسق الجسم الإنساني هندسياً.
لم يهتم الكتاب في العمارة والهندسة المدنية فقط، فقد خصص الكتب الثلاثة الأخيرة للحديث عن الآلات المستخدمة في البناء، وعن أقنية نقل المياه، ومواد البناء، والتدفئة المركزية.
بقي أن نقول أننا نطلق اسم مهندس هنا على أناس لم تكن الهندسة معروفة في أيامهم كعلم وإنما كفن وحرفة. ومهنة الهندسة كعلم لم يعترف بها إلا في القرن التاسع عشر، وإن كانت دول كبيرة في القرن الثامن عشر استعملت تسمية "مهندس عسكري"، لمن كانوا يعملون مع الجيش لبناء التحصينات والجسور والثكنات والآلات الحربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق