تنسب هذه العبارة إلى قائد حملة صليبية على مدينة بيزيه الفرنسية بقرب
مونبيليه في جنوب شرق فرنسا. سبب هذه الحملة أنه في القرن الحادي عشر والثاني عشر
قاومت الكنيسة الكاثوليكية ما أسمته الهرطقة (المسيحية الأفلاطونية). وبالنسبة
للكنيسة فإن بعض الهراطقة كانوا يعيشون في تلك المدينة ويجب التخلص منهم. حاول
أمير المدينة والمنطقة التفاوض مع قائد الحملة الذي كان قساً ممثلاً للبابا إنوسنت
الثالث عام 1209. بدأ أمير المدينة بإعلان مسيحيته الكاثوليكية أمام قائد الحملة وأنه
يجب تجنيب المدينة القتال ذلك أن المؤمنين أكثر عدداً وبكثير من الهراطقة، ولكن القس
رفض العرض وطلب من الأمير خضوع إمارته التام. فما كان من الأمير إلا أن قام بتحصين
مدينته والتأكد من استعدادها للحصار مدة أربعين يوماً على الأقل، ثم تركها
للاهتمام ببقية إمارته وتحضيرها لمقاومة الحملة الصليبية ريثما يمدها بجيش يحميها.
تقدم جيش الحملة الصليبية المؤلف من نحو عشرين ألف مقاتل، جزء كبير
منهم من الميليشيات التي كانت تقاتل من أجل الغنيمة. حاصر الجيش المدينة بعد أن
تبين له أن اقتحامها ليس بالممكن. حاول بطريرك المدينة محاورة قائد الحملة وسلمه
لا ئحة من نحو مائتي اسم من الهراطقة القاطنين في المدينة على أن يفك حصارها بخروج
هؤلاء الهراطقة، ولكن قائد الحملة رفض ذلك وطلب خضوع المدينة بالكامل من كاثوليك
وهراطقة. وبذلك غادر البطريرك المدينة وبعض أتباعه دون أهل المدينة
الذين كانوا يعتقدون بأن مدينتهم ستصمد ضد الحصار وأن أميرهم سيقوم بفك حصارهم.
كان الجو حاراً في أحد ايام الحصار، نزل الكثير من أفراد الميليشات
للسباحة في النهر القريب من المدينة التي أراد بعض سكانها الذين تسللوا منها السخرية من هؤلاء
السابحين، ولكن هؤلاء هاجموهم ولاحقوهم وتمكنوا من دخول المدينة من المكان الذي
خرج منه هؤلاء المتسليلين الذين تعثروا في محاولتهم العودة إلى المدينة. وفتحت أبواب
المدينة وجرت مذبحة اهتزت لها أوروبا. لم تتورع الميليشيات طبعاً عن نهب المدينة
والتفظيع بأهلها. البعض قال بأن عدد القتلى فاق العشرين ألفاً وأن نحو سبعة آلاف
قتلوا في كنيسة المدينة نفسها. ولكن الدراسات الحالية تشير إلى أن في ذلك مبالغة
واضحة إذ إن عدد سكان المدينة كان نحو 14500 نسمة، وأن من قتلوا في ذلك اليوم لا
يتعدى سبعة آلاف شخص، وهو رقم كبير في ذاك الزمان. وفي كل الأحوال فإن فتح المدينة
كان مفاجأة حتى بالنسبة للقس الذي كان خارجها يشرف على حصارها.
نقلت الأخبار المروية عن تلك المذبحة أن الضابط قائد الجيش الفعلي قال للقس قائد الحملة: كيف سنميّز بين المؤمنين
والهراطقة عند مهاجمة المدينة وسيقع ضحية ذلك أبرياء كثر. فأجابه القس: اقتلهم جميعا والرب سيتعرف إلى أتباعه (الذين سيدخلون
الجنة طبعاً). ولكن أحداً من معاصري هذه المذبحة لم يكتب شيئاً من هذا سوى راهب
ألماني كتب بين عام 1219 و 1223 مؤلفاً تضمن روايات عن تلك الفترة وذكر فيها تلك
العبارة. ولكن مصدراً واحداً لا يشجع كثيراً على تصديق الرواية، كما أن مجريات المذبحة تشير إلى قائد الحملة لم يعلم بفتحها إلا بعد أن
اجتاحتها الميليشيات. ولكن المؤرخين المعاصرين يعتقدون بصحتها نظراً لموقف القس قائد
الحملة المتشدد دائماً والذي رفض كل عروض الصلح، كما أن آخرين يعتقدون بصحتها
لأنها كانت معقولة في أجواء ذاك الزمان... والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق