تدور الأرض حول الشمس، وهو أمر معروف من القدم بالرغم من أن عبقرياً مثل أرسطو عارضه
وقال بأن الأرض هي المركز وكل شيء يدور حولها، وجاء بعده بطليموس ليؤكد ذلك وليضع
نموذجه المعقد الخاص بالأرض والكواكب ودورانها حول الأرض بما في ذلك الشمس، وهو
نموذج بايعته الكنيسة وأصبح القول بغيره هرطقة. لكن فلكيين أدركوا بأن دوران الأرض
ليس فقط حول نفسها وإنما حول الشمس، ومن بينهم فلكيونيون عاشوا في زمن الحضارة
العربية، لكن الوقت لم يكن قد حان ليرسخ في الأذهان أن الأرض غير ثابتة وإنما تدور
دورتان، حول الشمس وحول نفسها، حتى جاء كوبرنيكوس الذي قال بذلك متردداً بعض
الشيء ولم ينشر كتابه إلا في أواخر حياته!
وإذا كانت الأرض تدور حول الشمس بفعل الجاذبية، جاذبية الشمس التي
يبلغ حجمها ووزنها أضعاف أضعاف حجم ووزن الأرض، فكيف للأرض أن تدور حول نفسها، وما
الذي يجعلها تفعل ذلك؟ الأمر يتعلق بمحصلة عزوم القوى المتشكلة من مجموعة الكتل الملتهبة
والغازات والغبار التي ارتطمت ببعضها وشكلت الأرض منذ نحو 4.5 مليار سنة. أما
لماذا لم تتوقف فلأن شيئاً ما لم يوقفها عن الحركة، فكل متحرك يبقى على حاله من
الحركة ما لم يقف في طريقه عائق يمنعه من الاستمرار في الحركة. فأي جسم يتحرك على
سطح الأرض يرغم على التوقف بفعل الاصطدام والاحتكاك. والكرة التي تتدحرج على سطح
أملس في وسط مفرغ من الهواء ستستمر في الحركة إلى ما شاء الله. وإذا لم يكن السطح
أملساً وإذا كان الوسط الذي تتحرك فيه يضم ذرات هواء فستتوقف الكرة ولو بعد حين.
والأرض وغلافها الجوي يتحركان في وسط مقاومته شبه معدومة.
المجموعة الشمسية بأبعاد متناسبة ولكن المسافات بينها ليست كذلك |
كانت سرعة الأرض أكبر من ذلك يوم تشكلها، فقد كان طول نهارها نحو ست
ساعات تقريباً، وتغيرت سرعة دورانها حول نفسها بسبب تساقط نيازك كبيرة على سطحها
أدت إلى تناقص سرعتها في المحصلة، إضافة إلى ما يسقط على سطح الأرض من شهب وغبار
كوني وهو بمعدل 100 طن يومياً. والأهم من كل هذا هو الاحتكاك الناتج عن المد
والجزر بفعل القمر خاصة. قُدّر يوم الأرض بنتيجة حسابات معتمدة على الرصد
ومستحاثات الشجر بأنه كان يساوي 21 ساعة قبل 600 مليون سنة. تناقص سرعة دوران الأرض
سيزيد من طول النهار، الذي سيتوقف بدوره عن الحدوث ولكن هذا يحتاج إلى زمن أكبر من
العمر المتبقي للشمس نفسها حيث لن يكون للنهار معنى!
تدور الأرض حول نفسها بعكس عقارب الساعة عند النظر إليها من جهة القطب
الشمالي، لذا "تشرق" الشمس صبحاً و"تغرب" مساءً، وتدور بسرعة 1674
كيلومتر في الساعة تقريباً. أما عطارد (الكوكب الأقرب إلى الشمس) فيدور حول نفسه
بنحو عشر ساعات وبعكس عقارب الساعة. ولكن كوكب الزهرة (إلهة الجمال والإغراء والحب)
فيدور حول نفسه بنحو 243 يوماً، أي أن يومه طويل جداً بالنسبة لأيام الأرض، ويومه
أطول من سنته أي تنقضي السنة بفصولها الأربعة ولا ينقضي النهار! وهو على نقيض
الكواكب الأخرى فيدور مع عقارب الساعة، مثله في ذلك مثل اروانوس مخالفين في ذلك كل
الكواكب الأخرى والشمس أيضاً. أما المريخ فمثله مثل الأرض، يدور بالجهة نفسها
ويومه يعادل يوم الأرض بزيادة نصف ساعة فقط... وهذا عامل إضافي آخر في بحث
الإنساني عن الهجرة إلى المريخ وليس إلى الزهرة بالرغم مما لها من صيت حسن!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق