كتب الصحفي البريطاني برايان ويتيكر عام 2004
في صحيفة الغارديان البريطانية " لقد كنت هناك، ولكن عليّ أن أعترف بأني لا
أعرف بالضبط أين يكون الشرق الأوسط“I have been there, but I
have to confess that I don’t know where the Middle East is” ، وهو أمر غريب بالنسبة لصحفي أمضى
عمره المهني يكتب عن قضايا الشرق الأوسط، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على صعوبة
تحديد فضاء الشرق الأوسط على الخارطة. فهي منطقة تضم أحياناً المغرب وأحياناً
تركيا بالنسبة للبعض وتمتد أحياناً حتى آسيا الوسطى بالنسبة للبعض الآخر، واحيانا
هي "المشرق العربي" أو "العالم العربي". وكل هذا يزيد الأمر
تعقيداً.
يبدو أن هذه التسمية أطلقت لأول مرة بين عامي
1902 و 1903 من الصحفي البريطاني شيرول chirol
والأميرال الأمريكي ماهان Mahan، والسبب في ذلك هو
الوجود البريطاني في الهند حيث المشرق وأوروبا حيث الغرب ومن ثم فالمنطقة الواقعة
بينهما الشرق الوسيط، أي الوسيط بين الشرق والغرب، وهو الفضاء الذي يحمي الهند
المستعمرة بريطانيّاً من الطامعين من روس وأتراك وفرنسيين. وما فعله هذان الرجلان
لم يكن في الواقع أكثر من تسمية لمنطقة كانت بريطانيا تعتبرها منذ نهاية القرن
الثامن عشر منطقة تضم بحاراً وخلجاناً وصحارى تعزل مستعمرتها هذه عن إمبراطورايات
لها أن تشاركها أطماعها.
ولكن التمحيص في دراسات مطلع القرن العشرين
تقول بأن الأميرال الأمريكي هو من صاغ الكلمة في الدراسات التي كان يعدها ونشرها في مقالات بعنوان "المسألة الآسيوية
The problem of Asia وكان يشير بذلك إلى
بلاد فارس والخليج العربي (الفارسي كما سماه) وما بين النهرين وضمن حدود غير محددة
مضمّناً بذلك مياه الخليج باعتبارها مركز هذا الشرق الأوسط. وكان يشير إلى الجزيرة
العربية باعتبارها "الشرق الأدنى". إلا أن البريطاني شيرول الذي أشار إلى
تسمية الأميرال ماهان ولكنه أعطى للشرق الأوسط حدوداً أخرى مضمّناً فيها مصر
والبحر الأحمر وسورية العثمانية وما بين النهرين وبلاد فارس ومناطق من آسيا
الوسطى، وهي مناطق ذات فائدة لبريطانيا في الحفاظ على الهند التي كانت محط أطماع
الروس والعثمانيين والفرنسيين والألمان.
أطلق على هذه المنطقة تسميات مختلفة خلال
القرن التاسع عشر، منها الشرق الأدنى (الأدنى بالنسبة لأوروبا) وكذلك آسيا
التركية، وكان المقصود بذلك كل من سوريا والعراق وشبه الجزيرة العربية. وبعد الحرب
العالمية الأولى ومع تغير خارطة المشرق العربي اعتمدت عبارة "الشرق
الأوسط" من دون أن تكون حدوده واضحة، فهو تارة يضم الأناضول.، وتارة تركيا
بأكملها كما كان يفعل تشرشل أثناء الحرب العالمية الثانية وهو الذي قال: "لقد
شعرت دائماً أن تسمية الشرق الأوسط بمعنى مصر والمشرق وسورية وتركيا هو خطأ، إن
هذا هو الشرق الأدنى، وفارس والعراق هي الشرق الأوسط ، والهند وبورما وماليزيا هي الشرق والصين واليابان هي
الشرق الأقصى"... ولا يزال التعريف غير محدد، وكيف له أن يكون لمنطقة لم
تكن في القرن التاسع عشر والقرن العشرين إلا الباحة الخلفية لنزاعات القوى العظمى.
واسم الشرق الأوسط اليوم في المخيال الغربي
ليس إلا رديفاً للنزاعات والصراع والدم... والنفط
بالرغم من تراجع الاهتمام به... وهذا الشرق ليس شرقاً إلا بالنسبة إلى ذلك
الغرب.
*مادة هذه الورقة مجتزأة من مقال نشر عام 2016 في مجلة Esprit الفرنسية بعنوان: Les Britanniques et l'invention du Moyen-Orient.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق