فيما يلي ترجمة لمقال كتبته الباحثة الفرنسية جولي داندوران والأستاذة في جامعة
اللورين. كانت تحضر لكتابة السيرة الذاتية للجنرال غورو. وهو يعرض لتفاصيل عن
معركة ميسلون حصلت عليها المؤلفة عللى الأغلب نتيجة عملها على كتابة السيرة
الذاتية للجنرال غورو الذي كانت محطته الشرقية المحطة الأهم في حياته... وهي صورة
من بين صور أخرى وليست بالضرورة "الصورة" الأصح كتبها أستاذ جامعي يفترض
فيه الموضوعية.
حاولنا أن تكون الترجمة أقرب ما يمكن لبناء النص الفرنسي، وفي مكانين
أضيف توضيحان ضمن قوسين كبيرين، ليسا من أصل النص. عنوان المقال الأصلي هو: "انهيار الحلم بمملكة عربية مستقلة".
دامت معركة خان ميسلون عدة ساعات –وهو اسم الشعاب الكائن على الطريق
بين بيروت ودمشق حيث دارت معركة ميسلون- التي سمحت للفرنسيين الذين كانوا بقيادة
الجنرال هنري غورو (167-1946) المفوّض السامي وقائد الجيوش الفرنسية في المشرق، بدخولهم
ظافرين إلى دمشق في اليوم التالي. وإذا كان هذا الدخول إلى مدينة الأمويين تعني
بالنسبة لهم نهاية التجربة الشريفية {نسبة إلى الشريف حسين} في سورية، فهو ينظر
إليه خصوصاً على أنه ببساطة أمر يتطابق مع الوجود الفرنسي في المشرق عن طريق عودة
ضرورية للنظام المنشود من قبل هيئة الأمم. وعلى هذا، فإن معركة "دمشق" –وهي
تسمية أخرى لمعركة خان ميسلون- تم نسيانها بسرعة من الجانب الفرنسي. ولكن بالنسبة
للأمير فيصل بن الحسين (1885-1933) وعائلته، الذين كانوا يعتقدون أن الأمر ليس إلا
حادثاً ضمن إطار حرب لفتح العالم العربي من قبل "العرب"، أصبحت المعركة
الخاسرة سريعاً الشاهد الحاجز لذاكرة قتالية أليمة. وعليه فإن ميسلون تحمل بعداً
رمزياً لا يزال صداه يتردد حتى اليوم. ولإدراك هذه المعركة ونتائجها بنفس صافية،
وتمييز التاريخ عن الرواية، فلن يكون القصد التعرض للحدث من زاوية غائية (بمعرفة
نهاية القصة)، أو بما هو أسوأ أي من زاوية أيديولوجية، ولكن بالعكس عن طريق فهم
السيرورة التي قادت إلى المعركة بالتحديد الصحيح للمعالم التاريخية.
دخول الفرنسيين دمشق في 25 تموز عام 1920 |
انتداب في أجواء توتر شديد
تلقى الفرنسيون والبريطانيون عند خروجهما من الحرب بشكل غير رسمي
تفويضاً بالمناطق العربية التابعة للإمبراطورية العثمانية في وقت كان العرب
يعتقدون بقدرتهم على إدارة أنفسهم بأنفسهم. تفاقم التوتر في الفترة الواقعة بيم
1919 و منتصف 1920: إعلان فيصل بن الحسين "ملكاً على سورية" في آذار عام
1920، في حين أن غورو وصل إلى سورية في كانون الأول عام 1919 باعتباره المفوض
السامي في سورية، أشعل فتيل البارود. وفي الجانب الغربي فإن رد الفعل لم يتأخر
طويلاً. كان روبير دو كيس (1869-1970) المعاون المدني للجنرال غورو من أول
المتطلعين لفتح دمشق. فقد كتب إلى صديق له في نحو 12 آذار عام 1920: "لو كان
بإمكاننا الزحف إلى تلك المدينة بعد أن أرسلنا طيلة عدة اسابيع بمبعوثين وبعض
المؤون لبعض القبائل البدوية في الشرق، خاصة إذا لم يكن لدى فيصل مالاً لشراء
أصدقاء، فإن حكومة دمشق ستنهار كقصر من ورق".
أكد مؤتمر سان ريمو في 25 نيسان عام 1920 الانتدابين. وهو مؤتمر يطمئن
ويثير القلق في الآن نفسه. أما فيصل ووزيره الرئيس نوري السعيد باشا (1888-1958)،
اللذان كانا واعيان لمجمل المسائل، كانا يبحثان عن اتفاق، ولكن المباحثات تجمدت
بسرعة. رفض الجنرال غورو استخدام العلم الشريفي والصلوات المقامة باسم "ملك
سورية" وزعم بسلطته هو، التي فوضته باريس ولندن بها. وطالب بسلامة وأمن
النقل، وخاصة المتعلقة بعقدة رياق الحديدية، وإلغاء الخدمة الإلزامية التي تسمح
فوراً بتجميع 6000 رجل وبمعاقبة المتهمين بمهاجمة القوافل.
وبمرور الأشهر يزداد التوتر ويصبح ملموساً، خاصة مع شائعات عن هجوم
على "المنطقة الشرقية" (دمشق) متكررة على نحو متزايد. وأثناء الوصول إلى
اتفاقات مؤتمر السلام، وصلت فصائل عسكرية جديدة إلى "المنطقة الغربية"
(بيروت)؛ وفي الطرف الآخر من الإقليم، دخلت أسلحة إلى البلاد عبر دير الزور. وفي
بداية شهر تموز، وإزاء القلق المتضاعف، رحل اللبنانيون باتجاه المنطقة الغربية؛ والأسعار
ترتفع في دمشق. أما الوطنيون الأكثر تشدداً، الذين اقتنعوا في نهاية المطاف أن
الأمر لم يعد يتعلق بحوار مع حفائهم القدامى، دعوا مقاومة "التحضيرات الفرنسية
العدوانية". وفي 30 حزيران عام 1920 أوكلت حقيبة الداخلية إلى يوسف بيك
العظمة (1874-1920)، وزير الحربية الذي سرّع تركيز القوات في ميسلون، وهي واحة
تبعد 28 كم غربي دمشق.
وفي بداية شهر تموز ، تفاقمت التوترات لدى كل الأطراف. ففي رسالة
مؤرخة في 7 تموز عام 1920 يدفع فيها روبير
دو كيس وضوحاً الجنرال غورو للتصرف "وعلى وجه السرعة". ومن حيث الاسلوب،
فإن هذا الكاره المفترض للإنكليز لم يكن
مؤيداً لتوجيه إنذار مكتوب، لأن ذلك بالنسبة له سيسمح للإنكليز بالتدخل ثانية.
ولكن وجود العقيدين {الفرنسيين} إدوار كوس وأنطوان تولا بقرب فيصل يفرض مع هذا
احترام بعض الشكليات. ففي 14 تموز وجه إنذار إلى الملك فيصل سلم باليد. يذكر فيه
الجنرال غورو المظالم المعروفة سابقاً ولكنه يصرّ على نحو خاص على أمان النقل
الحديدي في منطقة رياق واحتلال حلب، ذلك أنه كان مهتماً من طرف آخر بنقل قوات إلى
كيليكا حيث يقاتل الفرنسيون تركيا. وبعد يومين يطلب فيصل تفاصيل ومهلة أربعة أيام
للإجابة. يتحسن الوضع قليلاً في دمشق. ولكن في 20 حزيران تعود المسالة إلى الصدارة
ذلك أن فيصل لم يستجب إيجابياً لطلبات الجنرال غورو.
حركة القوات واستراتيجيات المعركة
وعلى الفور تبدأ القوات بالاستعداد للحرب. غادرت الفرقة الثالثة في
الساعة الأولى من صباح 21 تموز زحلة في سهل بعلبك بقيادة الجنرال ماريانو غويبيه
(1861-1943) مؤلفة من 10 كتائب مشاة وأربع بطاريات مدفعية 75، وما يماثل عشر فصائل
من الفرسان، ولواء هندسة و 15 دبابة قتالية وسرب مقاتلات بإمرة الجيش. عبرت
الليطاني في الساعة 4 و 45 دقيقة. حدد هدف العمليات في بداية شهر تموز. القصد في
البداية السيطرة على المرتفعات (صحراء الديماس)، واستعادة محطة قطار رياق ومنع
دمشق من تهديد القوات. وعلى الفرقة التقدم وفق خطوتين متتاليتين: أولاً، الالتحاق
بفاصل عين جديدة مع المخاطرة بالمرور بشعاب وادي القرن، ثم صحراء الديماس. وأثناء
التقدم نحو المنطقة الشرقية تخلت مواقع العدو الصغيرة المتروكة بقرب الجسور عن كل
شيء بلا مصاعب. ولبرهة ظن الجنرال غويبيه أن الجيش الشريفي تراجع نحو دمشق بدون
قتال. أكد الطيران له أن القوات تراجعت نحو الشرق. وفكر أن فيصل قبل بالإنذار. وانتهز
الفرصة إذاً للدفع بقواته التي تتقدم نحو شمال الطريق إلى دمشق، باتجاه منحدرات
جبال لبنان، في وقت كانت الحرارة القاسية تنهك الرجال. يقيم معسكره في عين جديدة
على فسحة طبيعية واسعة من الأرض تسمح بالإقامة لعدة آلاف من الرجال.
أرسل فيصل وزير التعليم ساطع الحصري (1860-1968) إلى عاليه لمقابلة الجنرال غورو. وحصل على مهلة
إضافية لنهار واحد ولكن الإنذار قائم في حين أن القوات الفرنسية مستمرة في التقدم
نحو ميسلون، نبع ماء هام حيث لها أن تتزود منه. وعند إعلان الخبر اهتاجت دمشق:
بدأت أعمال شغب في المدينة. ولكن هذا لم يمنع العقيد تولات من الاستمرار في العمل
كوسيط بين الجنرال غورو وفيصل. وفي 22 آب {بحسب النص، ربما هناك خطأ مطبعي إذ يجب
أن يكون التاريخ 22 تموز} يلتقي بنفسه بقادة القوات (من طرف الجنرال غويبيه
والعقيد غاستون بيتلا، رئيس أركان جيش المشرق والذراع الأيمن للجنرال غورو؛ ومن
طرف آخر يوسف بيك العظمة والأمير زيد) في محاولة لإيجاد أرضية توافق حول مسألة رياق
الأساسية، في وقت أضيف فيه مطلب جديد: وهو التمكن من الحصول على الماء للقوات من نبع
ميسلون. ولكن رفض وزير الحربية الشريفي للسماح للقوات الفرنسية بالتزود بالمياه
وضع النار في البارود.
وفي يوم 23 تموز، قام يوسف بيك العظمة الذي كان موقناً بأن المعركة لا
يمكن تفاديها، بمحاصرة الطرقات ووضع الألغام الأرضية حول ميسلون. جامعاً على عجل
قوات غير متجانسة –عساكر نظاميين، ومتطوعون، وفرسان جمال، وبديون- التي طلب
الجنرال غورو منه حلها قبل بضعة ايام، تراوح عددها بين 3 و 4 آلاف رجل. وتشكلت
ميليشات على الفور في دمشق. يتزعمها بعض أعيان دمشق، مقدمة ليوسف بيك العظمة قوة
إضافية على هيئة ميليشيا مدنية، ولكن هذه ليست مهيئة لمهنة السلاح. من جهة أخرى،
هذه التشكيلات المؤلفة على عجل كانت تستخدم أسلحة من الفئة الثانية. وبالرغم من
وجود 15 بطارية مدفعية، فقد كان لدى السوريين القليل من الذخيرة (120 إلى 250
رصاصة لكل بندقية، 45 رصاصة للرشاشات، وبين 50 و 80 قذيفة لكل مدفع) وجزء كبير من
أسحلتهم لا يمكن استعمالها بسبب عدم توافقها مع الذخائر المتوفرة.
وفي أثناء ذاك النهار استغل الجنرال غويبيه الانتظار لتحسين مواقعه
الأمامية، واستطلاع أرض الهجوم وجمع قواته بصعوبة التي يتجاوز عددها 9000 آلاف
جندي عندها. الإنذار الجديد الخاص بماء ميسلون سمح له بإدراك أنه يجب التحضير
لمعركة في الغد. طُبع أمر اشتباك القوات لليوم المعلوم في 23 تموز في الساعة
الخامسة مساء. وهو يحدد أن القوات الشريفية تبدو قابعة على مرتفعات وادي التكية
حيث نصبت مدافعها، بينما القوات الاحتياطية موجودة في أعماق خان ميسلون. قرر
الجنرال غويبيه الواثق من قواته، وخاصة المدفعية، الهجوم مجابهة على المرتفعات
آخذا بالحسبان قصف مدفعي كثيف على المقدم أوزاك أن يقوم به لمساندة الهجوم؛ تمثّل هدفه
الثاني في ميسلون، وهي مهمة أوكلها للجنرال بوردو. وفي منتصف الليل، علم برفض فيصل
لشروط الإنذار، إذن هي الحرب. الساعة المقررة للهجوم هي الخامسة صباحاً.
فشل المقاومة الشريفية
في الساعة الخامسة من صباح 24 تموز بدا قصف مدفعي كثيف معلناً بداية
المعارك. ردت القوات الشريفية بقصف مدفعي في الساعة الخامسة وأربعين دقيقة. وبعد
أربع ساعات من القصف العنيف، بقذائف 155 ملم التي لها أن تصل حتى مسافة 10 كم وراء
الجبال، وفي الوقت الذي فشلت فيه قوات الخيالة الأفريقية المكلفة بالإطاحة
بالميسرة الشريفية، فقد أعطيت الأوامر باحتلال مواقع العدو بالحراب. وتم احتلال
صفين من الخنادق على التوالي، ولكن الفرنسيين يتقدمون بصعوبة. وشمس الصيف بدأت بالاشتداد؛
أما مقدمة القوة الشريفية المحمية بالرشاشات، فبقيت صامدة جداً. وكان في صفوفها
عدد كبير من ضباط الحرب العالمية الأولى، وممن خدموا في ألمانيا على بطاريات 77،
وكانت هذه القوة على وجه الخصوص مقادة على نحو جيد من قبل الجنرال يوسف بيك
العظمة، روح المقاومة الشريفية. كانت مواقعهم منظمة بمثل ما كانت المواقع
الفرنسية، من بطاريات وخنادق مرتبطة بالمواقع عبر خط هاتفي. المعارك الأصعب كانت
في شعاب وادي القرم، الذي تنصب عليه قذائف البطاريات المنصوبة على يمين ويسار
الطريق إلى دمشق. وبسبب سيطرتهم على المرتفعات، بدت القوات الشريفية سيدة الموقف.
ثم حدث تغير مفاجئ. في الساعة العاشرة اندفعت دبابات بين جدار
الرشاشات والجبل، متسلقة المنحدرات القاسية إلى المواقع الشريفية. أخذت في التقدم
بلا مقاومة غير آبهة بالمدفعية، شادة خلفها جنوداً من الجزائريين والسنغاليين.
تركت الطريق ووصلت إلى مواقع بطاريات المدفعية 77 التي كانت تطلق باتجاه الأسفل.
بضعة قذائف من الدبابات الموجهة نحو صناديق الذخيرة كانت كافية لإنهائها. يوسف بيك
العظمة الذي كان يقودها صعق بشظايا قذيفة 37 أطلقت عملياً عن قرب. كان أنيقاً
جداً، حذاء عسكري من جلد طري لامع، جاء إلى المعركة بقفازات بيضاء من جلد الشاموا.
وفاته أعلنت نهاية المقاومة الشريفية. انتهت المعارك في الساعة الحادية عشرة. وغير
يوسف بيك العظمة فإن الأرقام تشير إلى نسبة خسائر (بين قتيل وجريح) لأكثر من نصف
المقاتلين. وفقد 15 مدفعاً و40 رشاشاً وذخيرتها. أما من الطرف الفرنسي، وبحسب
تقرير الجنرال غويبيه، فقد كانت الخسائر 42 قتيلاً، و 152 جريحاً و اختفاء 14
عسكرياً للفترة الممتدة بين 21 و 25 تموز. وفي الغد، وبدون أي تأخير دخلت القوات
إلى دمشق، مدينة الأمويين.
حطمت هذه المعركة حلم القوميين العرب. أما يوسف بيك العظمة فقد دفنته
القوات الفرنسية بحسب المراسم العسكرية التي تليق برتبته، ساد هلع عام في دمشق.
أما الأمراء الهاشميون فقد هجروا المدينة، في قطار مصفح على ما يقال، ولكن فيصل، عاد
إلى دمشق بعد بضعة ايام آملاً بمتابعة المفاوضات. ولكن الجنرال غورو أعلن أنفيصل
شخص غير مرغوب به في سورية وطلب منه المغادرة. غادر فيصل بن الحسين دمشق في 27
تموز، حيث لجا أولاً إلى حيفا قبل متابعته الطريق إلى الحجاز.
ختاماً يمكن مقاطعة هذه الرواية مع رواية سورية على هذا الرابط.
ختاماً يمكن مقاطعة هذه الرواية مع رواية سورية على هذا الرابط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق