وهو العنف الذي يمارسه أحد طرفي العلاقة الزوجية على الآخر. وقد يكون
هذا العنف شفهي أو نفسي أو فيزيائي أو جنسي أو تهديد أو قهر يمكن أن يصل إلى
القتل. ويمكن للعنف أن يكون ظرفياً أو منتظماً يتكرر ويتطور ليصل إلى حد إرهاب
أحدهم للآخر. وهو عنف يكون داخل الأسرة وله أن يمتد ليطال الأولاد، ويبقى في حدود
البيت العائلي حتى لو علم به البعض من جيران أو أقرباء.
أسباب هذا العنف تختلف من بيئة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر. تشير معظم الدراسات إلى معامل ترابط عال مع انخفاض مستوى التعليم بالدرجة الأولى. ولكن الحياة
الحالية بمصاعبها الكثيرة تمثل أهم الأسباب الحالية. فعندما يكون الزوج باطلاً عن العمل ولا
موارد اقتصادية لديه أو لدى زوجته فهذا يصبح في بعض الأحيان سبباً كبيراً. وكذلك تعاطي
المخدرات والكحول تجعل متناولها في حالة غير واعية يمكن أن تدفع به إلى العنف وتفقده القدرة في السيطرة على نفسه. وكذلك
وجود شريك آخر لأحدى الطرفين يدفع غالباً إلى مواقف متشنجة ترى في العنف مخرجاً
لها. كما أن تعرض الطفل إلى العنف المباشر بأي شكل أو العيش في بيت كان العنف فيه
سيد الموقف سيجعل من هذا الطفل مستقبلاً شخصاً مستعداً لممارسة العنف العائلي.
وبالطبع فإن سوء التفاهم بين الطرفين يترجم في مواقف متنافرة تترجم بالعنف أحياناً
لفرض موقف على آخر. ولبعض المجتمعات تصورات ثقافية يمكن أن تدفع إلى العنف مثل
مفهوم الشرف أو الذكورية الطاغية التي تعتبر أن للذكر حقوق ليست للأنثى.
وهذا العنف يصل إلى حد القتل، وبعض البلدان يكون القتل لأحد
الطرفين قصة يومية. ففي فرنسا مثلاً يحدث أن تشهد حالة قتل لأحد الزوجين مرة
كل يومين، وإن كان قتل الزوج لزوجته أكثر بخمس مرات من العكس. وفي أمريكا فهناك
ثلاث حالات قتل لزوجات كل يوم. ولا تخلو دولة غربية من هذا النوع من الحوادث
اليومية المسجلة. أما في روسيا فيكثر فيها اعتداء الزوج على الزوجة بالقتل، ومعدل
ذلك يصل إلى أكثر من عشرة آلاف حالة قتل سنوياً. أي بمعدل حالة قتل لزوجة في كل
ساعة. والسبب هنا على الأغلب هو الكحول والبطالة، وكذلك ضعف القوانين الخاصة
بالعنف الزوجي الذي لا تناقش أحداثه أمام القضاء إلا في الحالات الجرمية. أما
الضرب، ضرب أحد الطرفين للآخر، فيمكن للشرطة أن تفصل فيه دون أن يكون ذلك مادة
لدعوى قضائية.
وضعف هذه القوانين هي أحد الأسباب الهامة في الاندفاع نحو العنف بلا
حدود. فقد شهدت أوروبا الغربية تطوير قوانين للمحاسبة على العنف الزوجي، وهي
قوانين تشهد تعديلات مستمرة لكبح هذه الظاهرة تصل إلى أنه على الأشخاص (الحضور أو
الجيران أو المارة) الذين يسمعون بأي شجار زوجي إبلاغ الشرطة في الحال وامتناعهم
عن ذلك يرتب عليهم مسؤوليات قانونية. كما أن المجتمع المدني، في الدول المتاح فيها،
ينشط في هذا الخصوص. فقد أسست في بريطانيا دور استقبال منذ سبعينيات القرن الماضي لمن
يعانون من العنف الزوجي لتقديم المأوى والدعم النفسي والمادي والمشورة القانونية.
وفي بعض الدول يقتصر الأمر على تقديم الدعم النفسي والمشورة القانونية ولو عبر
الهاتف، وهو أمر يمكن أن يكون مفيداً جداً في المجتمعات المحافظة والتي تعتبر مثل
هذه الأمور بمرتبة "الفضائح".
وجرائم القتل هذه يمكن أن تكون في كل الأوساط والمجتمعات. فلو أخذنا سويسرا،
البلد الراقي، مثالاً لوجدنا أنه في عام 1936 قتلت بيرت دولابير زوجها المؤرخ
وعالم الآثار ألبرت نايف. كما قُتل المصرفي الفرنسي إدوارد ستيرن على يد خليلته
السويسرية في جنيف عام 2005. وكذلك قتل المصرفي السويسري جيرولد ستادلر زوجته
الرياضية كورين ري-بلت في عام 2006. وفي عام 2016 قتل المعلوماتي البريطاني إيان
ستيوارت زوجته الكاتبة هيلين بيلي. وأشهر حالات القتل تلك التي قَتل فيها فيلسوف
الحزب الشيوعي الفرنسي لويس ألتوسير زوجته الباحثة الاجتماعية هيلين في عام 1980، الذي
عزيّ إلى لوث في عقله يداهمه بين الفترة والأخرى. وذكر ألتوسير فيما بعد، في ما
ترك من كتابات بأنه لم يكن يطق فكرة أن تتركه هيلين...ومن الحب ما قتل!!!
ومع هذا، فإن المجتمعات الحالية تعيش تغيرات كبيرة وبلا توقف، تتغير
فيها الاعتبارات ونمط العلاقات والأولويات. وفي أطوار التغيرات هذه تتراجع أو
تتراخى منظومات القيم مؤدية إلى تصرفات غير مألوفة... إذ يمكن لنمط الحياة أن
يتغير بسرعة دون أن يجاريه التغير الاجتماعي المقابل، فيكون ذلك مصدراً لأزمات
جديدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق