إنه الفيلسوف ورجل الدين والفلكي
الإيطالي المولد لعام 1548 والذي أحرق بسبب أفكاره عام 1600 بعد محاكمة طويلة
استمرت لسبع سنوات. تفاصيل هذه المحاكمة فقدت عندما احتل نابليون بونابرت إيطاليا
وأمر بنقل أرشيف الفاتيكان إلى فرنسا حيث ضاع. ولكن كتابات تاريخية تعود إلى تلك
الفترة وموجز عن محاكمته كان بين وثائق البابا بيوس التاسع سمحت بمعرفة تفاصيل عن هذه المحاكمة التي كانت هيئتها
تطلب منه التراجع عن أفكاره الواحدة بعد الأخرى، ولكنه كان يناقش الاعتراضات ويرفض
مقترحات المحكمة إلى أن اتخذت حكمها المبرم مخلداً بذلك سيرة هذا العالم باعتباره
شهيداً للفكر.
درس اللاهوت والفلسفة وانتسب إلى
كنيسة القديس دومينيك ورسّم راهباً عام 1573. تعلم فنّ التذكر وتمكن بذلك من تعلم
أشياء كثيرة، وحضّر أطروحة حول فكر توماس الأكويني. اعتنق التيار الفكري المسمى
بالتيار الإنساني الذي كان يدعو إلى العودة إلى السلوك اليوناني وطرائق التفكير
والحياة اليونانية القديمة، وأصبح أحد أتباع الهولندي إيراسموس. ولكن تفكيره الديني
كان مختلفاً جداً عن الفكر السائد، فلم يكن من أنصار الثالوث، وخاصة الروح القدس
التي كان يسميها روح الكون، وكذلك لم يكن المسيح بالنسبة له سوى حكيم رسول. وفي
غرفته في الدير الذي كان يقيم فيه نزع صور مريم المعلقة على جدرانها. كل هذا أدى
إلى اعتباره مهرطقاً واضطر لترك الرهبنة عام 1576 وبدأت رحلته الطويلة في التجوال.
تمثال جيوردانو في المكان الذي أحرق فيه في روما |
أيد جيوردانو أفكار كوبرنيكوس
القائلة بعدم مركزية الأرض، والتي لم يجرؤ كوبرنيكوس على المجاهرة بها، وقال
جيوردانو بمركزية الشمس، وأن الأرض كوكب يدور مثله مثل باقي الكواكب حول الشمس.
وقال بأكثر من ذلك. الأرض ليست مركز الكون ولا الشمس، ففي السماء نجوم كثيرة مثلها
مثل الشمس، تدور حولها كواكب، وليس من سبب لأن تكون شمسنا هي مركز النجوم. وسفّه
أفكار أرسطو التي تقول بثبات الأرض وعدم حركتها. وبحسب زعم أرسطو فإنه ليكفي أن نتذكر
أن كل الأشياء تيسقط شاقولياً على الأرض، ولو كانت الأرض تتحرك لسقطت هذه الأشياء بعيداً
عن الشاقول! ولكن جيوردانو رد عليه بالقول: ما عليك يا سيدي سوى أن تراقب مركبا
يتحرك على سطح ماء النهر، ولو أسقطت حجراً من أعلى رأس الصارية لوجدت أن الحجر
سيقع عند أسفل عمود الصارية تماماً دونما ابتعاد، وعليه فإن الحركة لن تغير في مكان السقوط لأن للإثنين
الحركة نفسها. كما قال جيوردانو بأن المادة مؤلفة من ذرات، مستعيداً بذلك أفكار
ديموقريطيس التي رفضها أرسطو رفضاً قاطعاً. وأضاف جيوردانو بأن كل شيء في الكون
مؤلف من ذرات... هذه بعض من أفكاره التي لم يقبل التراجع عنه بالرغم من إغراءات
الكنيسة بالعفو عنه، فقد كان صلباً في دفاعه عن آرائه القاطعة، ولم تجد الكنيسة جواباً إلا بحرقه حيّاً... ولا تزال الكنيسة مصرة على موقفها تجاه آراء جيوردانو بعد
مراجعتها لحيثيات المحاكمة في نهاية القرن العشرين... ولكنها عفت عن غاليليو!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق