الصعلوك هو
الذي لا مال له ولا اعتماد بحسب معاجم اللغة العربية. وصعاليك العرب هم فقراؤها وفتاكها.
وهم قوم خرجوا على طاعة بيوتهم وقبائلهم وعشائرهم لأسباب عديدة تجعلهم ينفرون
حياتهم ويعيشون عيشة الذؤبان معتمدين على أنفسهم في الدفاع وتحصيل قوتهم عن طريق
الإغارة على الطرق والمسالك. وهم في خوف دائم من متعقب ومتربص. وكانوا يجتمعون
فيما بينهم للدفاع والحماية خاصة وأن دم معظمهم كان مهدوراً. وصعاليك العرب لم
يكونوا فقراء بالضرورة، فمنهم من كان من أسر ميسورة ولكنه فضل التصعلك لغاية في نفسه، ومنهم من كان رافضاً لحياة قبيلته ففضل الخروج عليها، ومنهم من أجبرته حياته على التصعلك أو أسباب أخرى. تكشف أشعارهم عموماً عن حقد
تجاه مجتمعهم، وهو حقد لم يكن له إلا أن يزداد بسبب إهدار دمهم وملاحقتهم.
كان الصعاليك يشنّون
غارات، فرادى أو جماعات، على الأغنياء، يفضلون البخلاء منهم لأن أموالهم
زائدة عليهم وهم في حاجة إليها. وإذا امتنع الغني على الصعلوك فهو لا يبالي في
قتله، والقتل عند الصعلوك مألوف، فهو نفسه مهدور الدم ولا يعرف متى يًقتل. كما كانوا يستهدفون أياً كان عند حاجتهم للطعام. وكانوا يغيرون على الضعفاء والشيوخ دون أي رادع ويقتلونهم طمعاً في ماشيتهم. كما كانوا يقتلون بعضهم. وفي بيت شعر يُنسب لتأبط شراً يقول فيه:
وكانوا يغيرون بسرعة ويهربون بالسرعة نفسها، فهمهم الغنيمة لا القتال. وبما أنهم يعرفون أنّ لا سند لهم فكانوا يستبسلون إن احتاج ذلك قتالهم وإلا فالسلامة والغنيمة، وهم يجيدون الفرار والاختباء لمعرفتهم الجيدة بمسالك المناطق التي يعيشون فيها. فالصعلوك الهذلي يقول:
ولست أبيت الدهر إلا على فتى أسلبه أو أذعر السرب أجمعا
بمعنى أنه كان يغير على كل من يراه يسلبه ولا يبالي بشيء إلا بالغنيمة أو بدب الذعر على الأقل. واسمه نفسه يثير الخوف، وقيل إنه سمي كذلك لأنه خرج يوماً بسهامه وقوسه فسألوا أمه عما به، فقالت "تأبط شراً". وأمه كانت زنجية، وربما كان هذا سبب أو أحد أسباب تصعلكه.
وكانوا يغيرون بسرعة ويهربون بالسرعة نفسها، فهمهم الغنيمة لا القتال. وبما أنهم يعرفون أنّ لا سند لهم فكانوا يستبسلون إن احتاج ذلك قتالهم وإلا فالسلامة والغنيمة، وهم يجيدون الفرار والاختباء لمعرفتهم الجيدة بمسالك المناطق التي يعيشون فيها. فالصعلوك الهذلي يقول:
فإن تزعمي أني
جبنتُ فإنني أفرُّ وأرمي مرة كل ذلك
أقاتل حتى لا
أرى لي مقاتلاً وأنجو إذا ما خفت بعض
المهالك
وهم الخلعاء،
أي الذين تبرأ أهلهم وقبيلتهم منهم. كما عرفوا بالرجليين لاستعمالهم أرجلهم في
الإقدام والهرب، فمعظهم لا مال لديهم يمكنهم من شراء فرس وإطعامه. وهم على ذلك سريعو
العدو، ومن أشهرهم في العدو السليك، ويقال "أعدى من سليك". ومن
المشهورين في عدو الرجلين والعينين تأبط شراً الذي كان إذا جاع هاجم الظباء
منتقياً أسمنها. ولكن هذا لم يمنع أن بعضهم كان من أكثر الناس مهارة في ركوب
الخيل. وهم جوعى معظم وقتهم. أشهرهم عروة بن الورد صعلكة وشعراً وفروسية، وهو
يظهر في شعره أن الجوع كان ينزل به حتى يهلكه، لذا كان يغير هرباً من الموت. وهو
إن مات لن يجد من يبكي عليه كما يعبّر عن ذلك صعلوك شهير هو الشنفري المشهور بسرعة
عدوه:
إذا ما أتتني
ميتتي لم أبالها ولم تذر خالاتي الدموع
وعمتي
وبالرغم من أنهم كانوا يبررون أحياناً غاراتهم لإطعام أنفسهم أو إطعام
فقراء لا قوت لديهم، وبهذا يظهرون نبلهم، كما يعبّر عن ذلك أشهرهم عروة بن الورد
(عروة الصعاليك):
إني امرؤٌ عافى إنائي شركة
وأنت امرؤٌ عافى إنائك واحد
أتهزأ مني وإن سمنت وأن ترى
بجسمي شحوب الحق، والحق جاهد
أفرق جسمي في جسوم كثيرة وأحسو
قراح الماء، والماء بارد
استخدمهم البعض في القتال (مرتزقة) إلى جانبهم كما فعل امرؤ القيس في
قتاله مع القبائل التي تمردت على أبيه. وكانت مكة مدينة يلجأون إليها ويجيرهم
تجارها وأهلها لأنهم بذلك يمنعونهم من الإغارة على القوافل. وفيما يبدو أن
انتشارهم كان الأكبر بين القرنين الخامس والسادس الميلادي، أتاح الإسلام انخراطهم
في المجتمع لتنتهي سيرتهم كصعاليك، ولكن دون أن تنتهي إمكانية وجود الشذاذ، ذلك أن
الفقر وراء الكثير من المشاكل الاجتماعية كما يصفه عروة بن الورد نفسه في شعر
يُنسب له بالقول:
ذريني للغنى أسعى فإني رأيت
الناس شرهم الفقيرُ
وأدناهم، وأهونهم عليهم وإن
أمسى له حسب وخير
يباعده القريب، وتزدريه حليلته، ويقهره الصغير
هذا بعض حال الصعاليك بحسب الروايات، وكالعادة لا يمكن معرفة الحقيقة، فبعض المؤرخين اللاحقين ينسبون شعراً ما لهذا الصعلوك ومؤرخ آخر ينسبه لغيره، وتتعدد الروايات في هذا وذاك، فتأبط شراً تدور حول اسمه أربع روايات على الأقل! وإن كان من شيء نستنتجه فهو أن الدراسات الخاصة بالتاريخ العربي القديم بحاجة إلى البحث والتمحيص. بعض ما كتب عنهم يجعل منهم أصحاب حركة سياسية-اجتماعية لما ذكر من شعر جميل ينسب لهم، ولكن التاريخ وقائع وليس كلمات نُطرب لها.
هذا بعض حال الصعاليك بحسب الروايات، وكالعادة لا يمكن معرفة الحقيقة، فبعض المؤرخين اللاحقين ينسبون شعراً ما لهذا الصعلوك ومؤرخ آخر ينسبه لغيره، وتتعدد الروايات في هذا وذاك، فتأبط شراً تدور حول اسمه أربع روايات على الأقل! وإن كان من شيء نستنتجه فهو أن الدراسات الخاصة بالتاريخ العربي القديم بحاجة إلى البحث والتمحيص. بعض ما كتب عنهم يجعل منهم أصحاب حركة سياسية-اجتماعية لما ذكر من شعر جميل ينسب لهم، ولكن التاريخ وقائع وليس كلمات نُطرب لها.
هذه الورقة مستقاة من كتاب الدكتور جواد علي بعنوان "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق