هي كلمة دخيلة على
اللغة العربية، فلسان العرب مثلاً لا يأتي على ذكرها, أما معجم الوسيط فيعرفها على
النحو الآتي: ديكتاتور ؛ حاكِمٌ فردٌ مُسْتَبدٌّ ، يحصر في نفسه
السّلطات الحكوميّة كلّها ، ويملك السّلطة القضائيّة المطلقة على الحكومة وعلى
الدَّولة :- دِكتاتور يرفض حكم الشّورى . وهو المعنى السائد لدى الناس وفي كل اللغات. وترافقت هذه
الكلمة مع معطيات العصور الحديثة التي تطلق هذا اللقب على رئيس الدولة الذي يمارس
السلطة السياسية في بلد ما لوحده بدون فصل بين السلطات ويسمى نظامه السياسي
بالديكتاتورية. وللديكتاتورية علامات وخصوصيات محددة من منع للحريات وانتخابات
شكلية وانعدام المعارضة ألسياسية ومن ثم انعدام تداول السلطة وكل ما ينشأ عن ذلك
من فساد بأشكاله المختلفة: السياسي والاقتصادي والقضائي. معظم دول أفريقيا وآسيا تعيش في ظل حكومات هي ديكتاتورية أو ما شابه. من أشهر الديكتاتوريات
الحديثة الهتلرية والشيوعية الستالينية.
ولكن الأصل في كلمة ديكتاتور
هو ليس كذلك. فالكلمة لاتينية الأصل تعني "من يتكلم" أو من يملي الكلام.
وفي المعنى السياسي فهي تعود إلى النظام السياسي الروماني لما قبل الميلاد. وهذا
النظام كان جمهورياً ينتخب فيه لإدارة شؤون البلاد قنصلان لهما الصلاحيات نفسها
ولكن لكل منهما إمكانية الفيتو على الآخر، أي يجب أن يكونا متوافقين في قراراتهما،
كما أن فترة بقائهما في السلطة محدودة بسنة واحدة مما لا يتيح لهما الدخول في
عمليات تقود إلى الفساد في الحكم. وإن كان هذا لا يمنع إعادة انتخاب أحدهما قنصلاً
في المستقبل. وهما مسؤلان أمام مجلس الشيوخ الذي له حق عزل أي منهما أو كلاهما.
ولكن في الفترات التي كانت تواجه الجمهورية فيها أزمات حادة كان لمجلس الشيوخ أن يسمح
بالديكتاتورية التي تتيح للقنصل صلاحية اتخاذ القرارات دون الرجوع إلى أية جهة
أخرى، وهي صلاحية محدودة بستة أشهر. وهنا يتخلى أحد القنصلين عن دوره ليكون الآخر
هو الديكتاتور أو يكون قنصلاً جديداً ديكتاتوراً الذي يعين قائداً للجيش لمساعدته في مواجهة الأزمة.
لوحة تظهر وفد مجلس الشيوخ محاولاً إقناع لوقيوس بقبول الديكتاتورية |
ومن أشهر ديكتاتورات روما
لوقيوس كنكنتيوس شينشناتوس (أو سينسيناتوس) الذي عاش بين عام 519 و 430 قبل
الميلاد. وكان من بين نبلاء روما. ولكن محاكمة جرت لابنه بسبب محاولته تمرير قانون
في مجلس الشيوخ بطريقة غير قانونية أدت إلى محاكمته وفرض غرامة مالية كبيرة دفعها
والده الذي أفلس إثر ذلك. ولكن الوالد لوقيوس نفسه كان قد شغل منصب القنصلية في
يوم ما. وعندما تعرضت روما لغزو خارجي من جهتين مختلفتين هدد أمنها ومستقبلها،
استدعي لوقيوس ليكون ديكتاتوراً وينقذ البلد في الوقت الذي كان يرعى زراعة أراضيه
وينتظر إدارة الحصاد عل ذلك ينقذه من إفلاسه. ولكن عندما تعلق الأمر بإنقاذ روما
ترك أرضه وأملاكه وقام بإدارة البلاد كديكتاتور وعين قائداً للجيش وتمكن من صد
الهجومين على روما. وعقب ذلك تخلى عن الديكتاتورية وعاد إلى عمله في أراضيه. كان
ذلك في عام 458 قبل الميلاد. وعيّن ديكتاتوراً مرة ثانية عام 439 قبل الميلاد لقمع
انتفاضة شعبية نجح في إخمادها والفتك بمن كان على رأسها. وكان له في هذه المرة أن
يستفرد بالسلطة ويسمي نفسه ملكاً ولكنه لم بفعل فكسب احترام روما والرومان على مر
التاريخ.
وصف أحد المؤرخين الرومان
كيف كان تعينه في أول ديكتاتورية: "وجده ممثلو مجلس الشيوخ عارياً يحرث الأرض
إلى ما بعد نهر التيبر، وأخذ في الحال الرايات التي تليق به وحرر القنصل من
مسؤولياته، الذي قدم له هو وجيوشه التاج الذهبي والطاعة. انتصر على الأعداء وقبل
خضوع رئيسهم وجعله يسير أمام عربته في يوم انتصاره. وتخلى عن الديكتاتورية بعد ستة
عشر يوماً من قبولها، وعاد إلى زراعة أرضه".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق