السفسطائي تعريب
للكلمة الإغريقية التي تلفظ sophistes
التي تعني "المختص بالمعرفة"، والكلمة في جذرها تشير
إلى المعرفة. والسفسطائي هو خطيب وأستاذ مفوه في اليونان القديمة، ذو ثقافة واسعة
وقدرة على الخطابة والإقناع جعلت منه شخصاً ذا مكانة عالية في يونان القرن الخامس
قبل الميلاد، خاصة في سياق الديمقراطية الأثينية، ديمقراطية كانت تتطلب البلاغة
والقدرة على الإقناع. وفي العصور الحديثة فإن هذه الكلمة تشير إلى شخص يستعمل
حججاً وطرق تفكير خاصة للخداع والإيهام. اشتهرت الكلمة بمعناها السلبي منذ أيام
أفلاطون، فقد كان في كتبه يظهرهم دائماً في نقاشات مع سقراط الذي كان يبين عيوب
مناظراتهم التي يعتمدون فيها على نسبية الحقيقة: أي الحقيقة التي تتباين بين
الأفراد، وهنا كان سقراط يبين لمحاوره السفسطائي أن الحقيقة واحدة ولا يمكن أن
تكون غير ذلك وإلا عمّت الفوضى. والكلمات المشتقة منها في اللغات الأوروبية، مثل
الإنكليزية sophisticate ،
تعني الإدعاء والتكلف والتعقيد من بين معان أخرى عديدة.
لم يكن همُّ
السفسطائي هو الوصول إلى الحقيقة وإنما هو الإقناع وتطوير آليات تفكير بقصد تعزيز
الإقناع. وهذه الآليات كانت غالباً ما تنطوي على أخطاء منطقية نتيجة سوء في
التفكير أكثر منه الاحتيال المتعمد. فالمنطق لم توضع قواعده قبل أرسطو، أي في
القرن الرابع قبل الميلاد. كانوا أحياناً مترافعين ومدافعين أمام القضاة، ولم يكن
يشغلهم في دفاعهم العدل أو الفضيلة، ولكنه إقناع القاضي والحضور بصحة ادعائهم وكسب
القضية.
نشأ السفسطائيون
وانتشروا في جيلهم الأول في القرن الخامس قبل الميلاد. لم يشكلوا مدرسة فكرية بحد
ذاتها، وإنما كانوا أشخاصاً انطلقوا من مدن إغريقية عديدة يعرضون مواهبهم في تدريس
من يرغب فن الخطابة والمحاورة، وهذا يتطلب بالضرورة تعليم معارف ذاك الزمان. وهم
كانوا يفعلون ذلك لقاء أجر معلوم وعال مقابل تعليم طلابهم كيفية الوصول السريع إلى
النجاح. وكانوا يعلمونهم القدرة على التفكير واتخاذ القرار، والدفاع والمحاورة والمحاجة
والقيادة. وكانوا يدرّسون طلابهم من العلوم الأشياء العملية مثل القانون
والسياسة والسجال. أما الفلسفة بمعنى التساؤل والبحث عن الحقيقة فلم تكن على قائمة
دروسهم. لم يتركوا آثاراً مكتوبة عن دروسهم، فكانوا يفضلون تردادها على مسامع
الطلاب، ودعوة الطلاب لهم للارتزاق منها.
من أشهر
السفسطائيين بروتاغوراس وغورجياس وبروديكوس وغيرهم كثر. الأول كان خبيراً في
القانون والسياسة، والثاني كان رائداً في الخطابة والسجال، أما الثالث فكان من أول
من درس اللغة والقواعد وكان ماهراً جداً في استخدام الكلمات متعددة المعاني مسخراً ذلك لقضاياه التي يدافع عنها. ومن سجالات غورجياس دفاعه عن هيلانة التي هربت مع باريس فأدى ذلك إلى حرب طروادة، ووجه اللوم إليها. فقال: إنها إما أجبرت على ترك زوجها ميلانوس عنفاً وقسراً وعندها لا يد لها في الأمر، أو أنها عشقت باريس وهذا ليس إلا بتدخل ورعاية من إله الحب الذي يرعى ذلك فهو المسؤول إذاً، أو أن باريس أقنعها بفصاحته وحلو لسانه وعندها أيضاً لا ذنب لها فالكلام الجميل أقوى من العنف وتحبه الآلهة. إذاً لا يمكن توجيه اللوم إليها.
وهؤلاء وغيرهم قدموا في حواراتهم خدمة جليلة للفلسفة لنقاشهم قضايا متنوعة تنبهت الفلسفة إليها لاحقاً وحاولت الإجابة عليها وتصحيح ثغراتهم. فقد كان التفكير التقليدي يستدعى الأساطير لفهم ظاهرة معينة، أما الفيزيائي فيستدعي نظرية تخص تكوين العالم وما ينشأ عن هذا التكوين، في حين أن السفسطائي كان يستدعي التجربة المعاشة والوعي الإنساني لهذه التجربة ويطرح أسئلة من نوع: ما فائدة ذلك؟ وكيف يمكنني السيطرة عليه؟ ويمكن القول أنهم كانوا أقرب إلى التكنولوجيين في عصرنا الراهن منه إلى العلماء المنظّرين. ناقش بروتاغوراس مطولاً مسألة المعرفة وكيفية الوصول إليها وقال بعدم كفاية الحواس للوصول إلى المعرفة، وبضرورة العقل والتفكير.
وهؤلاء وغيرهم قدموا في حواراتهم خدمة جليلة للفلسفة لنقاشهم قضايا متنوعة تنبهت الفلسفة إليها لاحقاً وحاولت الإجابة عليها وتصحيح ثغراتهم. فقد كان التفكير التقليدي يستدعى الأساطير لفهم ظاهرة معينة، أما الفيزيائي فيستدعي نظرية تخص تكوين العالم وما ينشأ عن هذا التكوين، في حين أن السفسطائي كان يستدعي التجربة المعاشة والوعي الإنساني لهذه التجربة ويطرح أسئلة من نوع: ما فائدة ذلك؟ وكيف يمكنني السيطرة عليه؟ ويمكن القول أنهم كانوا أقرب إلى التكنولوجيين في عصرنا الراهن منه إلى العلماء المنظّرين. ناقش بروتاغوراس مطولاً مسألة المعرفة وكيفية الوصول إليها وقال بعدم كفاية الحواس للوصول إلى المعرفة، وبضرورة العقل والتفكير.
هاجمهم أفلاطونعلى استحياء، وعاب عليهم نسبيتهم في المعرفة (اختلافها من فرد لآخر) وأسميتها من
حيث المفاهيم التي هي من صنع الإنسان وليست مطلقة. وحاول في "حوارات
أفلاطون" أن يفكك تفكيرهم وينقضه. وأكثر ما عاب عليهم سعيهم للحصول على أجور
لقاء دروسهم. فالمعرفة ملك للجميع وهي نتيجة جهد مشترك. وأن المعارف التي قدموها عبر دروسهم يمكن أن تخدم الظلم بدلاً من
العدل في الوقت الذي كانوا يقولون فيه إنهم "يؤدبون" طلابهم. وأن السفسطائيين
يهتمون بالنتائج وليس بالحقائق. فبروتاغوراس كان يقول "إن الإنسان هو مقياس
كل شيء"، أي أن الحقيقة ليست مستقلة عن الإنسان وإنما هي تعتمد على موقفه ونظرته،
وهذا يعني بأن لا شيء حقيقي، ومن ثم فإن القوانين لا تنطلق من فكرة الخير في حد
ذاته وإنما من اتفاق بين الناس. وإذا كان لا شيء صحيح في حد ذاته، فإن لا شيء حسن
في حد ذاته... وأفلاطون لا يريد ربط الحسن بالرغبة وإنما باحترام العدل... كانت
السفسطة مهمة لولادة الفلسفة مع سقراط، بمعنى التساؤل الدائم والبحث المستمر عن
الحقيقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق