الشواش والعماء
هما ترجمتان لكلمة chaos
ويضاف لها أحيانا معنى الفوضى والاختلال والخواء، ولكن المقصود بهذه الكلمة هو
وصفها للحالة التي لا يمكننا أن نتوقع ما يمكن أن يحدث لمنظومة ما (نظام ميكانيكي،
إلكتروني، طبيعي...مجتمع) عند تعرضها لتغير بسيط في تكوينها أو في الوسط الموجودة
فيه أحياناً مما يودي بها إلى تغيرات كبيرة في سلوكها أو أداءها يدخلها في حالة
انفلات لا يمكن ضبطه أو التكهن به. مثال ذلك الحالة الجوية. والحالة الجوية تتعلق بمتغيرات
كثيرة بعضها مهم وبعضها أقل أهمية. وهناك (الأمريكي إدوارد لورنتس) من حصر
التغيرات الجوية بثلاثة عوامل يجب أن تؤخذ وسطياً على عموم الأرض وقال بكفايتها
للقيام بتوقعات جوية مقبولة جداً. ولكن الحالة الجوية في منطقة ما تتعلق بالحالة
الجوية للأرض عموماً وبخاصة لدرجة حرارة سطح المحيطات. ومجرد اختلاف بسيط في هذه
الدرجات، من مرتبة عشر الدرجة، قد ينعكس على مناخ هذه المنطقة بما لا يمكن تصديقه.
دفع هذا بعضهم للقول بأنه إذا كان لفراشة أن تخفق بجناحيها في ريو دي جانيرو في
لحظة ما وفي ظروف محددة أن تساهم في توليد إعصار قاتل في مكسيكو. البعض يسميها
أحياناً بفراشة بكين.
قد يبدو هذا القول
مبالغة كبيرة، ولكن في الواقع فإن هذا صحيح للغاية. فنحن معتادون على الأنظمة
البسيطة التي في تكوينها وطبيعتها تتصرف بطريقة يتناسب فيها الأثر مع الفعل أو
السبب. فالعمل يؤدي إلى التعب. والزيادة في العمل ستترافق مع زيادة في التعب. وهذه
الزيادة العادية لن تؤدي فجأة بنا إلى حالة من الإعياء الكبير والمفاجئ الذي سيؤدي
إلى متاعب صحية لا يمكن التنبؤ بها. ولكن جهداً مفاجئاً وفي ظروف محددة قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة والوصول إلى نقطة اللاعودة.
ودفع نواس بسيط (كتلة مربوطة بطرف ذراع يدور
حول طرفه الثاني) سيجعل النواس يهتز حول الشاقول ويقوم بنوسات يتوقف بعدها بسبب
الاحتكاك. ولكن نواساً مركباً (من ذراعين مترابطين كما في الشكل) ستجعل النواس يتحرك
على نحو غير متوقع ولا يتماشى إطلاقاً من حركة النواس البسيط.
وأكثر من ذلك،
فالنواس البسيط سيتصرف بالطريقة نفسها لو قمنا بتغيرات بسيطة في طول النواس أو في
الكتلة المعلقة فيه. أما في حالة النواس المركب فالأمر غير ذلك تماماً، إذ أن أية
تغيرات مهما كانت بسيطة فإنها ستؤدي إلى تغيرات يمكن أن تكون كبيرة للغاية في سلوك
النواس.
والمثال الأبسط هو
تصرفنا نحن كأشخاص. إذ سنبدي أكبر قدر من ضبط النفس في تعاملنا مع الآخرين عند بدء
عملنا صباحاً حتى لو كان تصرف الآخرين اقل انضباطاً مما يجب. ولكننا لن نتمكن من
ضبط نفسنا بالقدر نفسه في آخر النهار عندما يبدأ الجوع ينهش في معداتنا، وسيكون رد
فعلنا مختلفاً عما كان عليه في الصباح إزاء أشخاص مماثلين لأشخاص الصباح، وقد يكون
بما نندم عليه ونعاتب الشيطان بسببه. وبمكن أن يكون أحياناً عنيفاً لا يتناسب
والسبب المؤثر. يبدأ الإعصار عادة من تغير جوي بسيط عارض يتطور مع مرور الوقت إلى
أن تصبح ريحه قادرة على اقتلاع أضخم الأشجار وتدمير أكبر السفن.
خلاصة القول إننا
معتادون في حياتنا اليومية على ظواهر يتناسب فيها الأثر مع السبب، لكن مجرد
ابتعادنا عن مثل هذه الظواهر والانتقال إلى ظواهر أعم وأشمل، بعضها على مستوى
الكون، يغيب التناسب بين السبب والأثر ويصبح الوضع غير قابل للفهم والسيطرة. وهذا
يمثل بالنسبة لنا حالة من الشواش أو العماء أو الاختلال أو ما شئتم أن تسموها. بدأت
الحياة مع تشكل الخلية الأولى، وهذه الخلية ما كان لها أن تتشكل لولا أمر بسيط
للغاية ربما لا يتناسب وخفقان هذه الخلية.
وهذا الأمر يجعلنا بعيدين عن إمكانية فهم ما يحدث أو ما حدث في الكون فعلاً. الشواش هذا فيه اليوم نظريات ونظريات. وهو مع الميكانيك الكمومي ونظرية غودل في عدم الاكتمال ما يقول لنا أننا على الأغلب لن نصل يوماً إلى نظرية تفسر ما يحدث أو حدث أو سيحدث في الكون. نظرية توقعها البعض منذ فترة طويلة وقال بقرب الوصول إليها، ولكن مع ازدياد اكتشافاتنا يزداد الجهد اللازم لحل الإشكالات الجديدة التي قادت إليها هذه الاكتشافات!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق