لماذا يفضل البعض استعمال
اليد اليسرى في الكتابة والأعمال اليدوية على اليد اليمنى التي تستعملها غالبية
الناس. تقول الإحصاءات بأن نسبة من يستخدم اليد اليسر هي نحو 10% في العالم، متقاربة
في الجنس (نحو 9% لدى الإناث و 12% لدى الذكور)، ومتقاربة في معظم الدول والثقافات
وإن كانت بنسبة أقل في مجتمعات مثل روسيا (أكثر من 6% ) واليابان (نحو 5% بإحصاء
جرى في نهاية القرن الماضي). قد يكون سبب ذلك إكراه هؤلاء منذ الصغر على التخلي عن
استعمال اليد اليسرى واستعمال اليمنى. ذلك أن أساطير وقصص كثيرة في معظم المجتمعات
دارت حول خلل وعيب لدى هؤلاء. وفي العربية يقال عن من يستخدم يده اليسرى بالأعسر
إشارة إلى نقص وعيب. وكلمة يسار في اللغة اللاتينية مشتقة من كلمة الخراب.
واستعمال اليد اليسرى أثناء الطعام لدى الصينيين عيب ما بعده عيب.
وكان هذا حال
الكثير من المجتمعات. فدراسة أمريكية استندت إلى إحصاءات بدأت منذ مطلع القرن
العشرين أظهرت أن نسبة اليسراويين كانت أقل من 3% في بداية القرن العشرين وبقيت كذلك فترة من الزمن وأخذت بالزيادة
مع تغير موقف المجتمع من هذه المسألة لتصل إلى نحو 10% منذ ستينيات القرن الماضي.
يجب القول أيضاً بأن مصنوعات الإنسان هي لليد اليمنى وليس لليسرى. من السلاح إلى
باب السيارة والبراد والغسالة. وإن كان هناك من يستخدم أياً من اليدين وعلى نحو
متماثل، وهؤلاء لا تزيد نسبتهم عن 1% من مجمل الناس. وفي كل الأحول فإن استعمال
إحدى اليدين في الكتابة أو القبض على الأشياء إنما هو تفضيل وليس إلغاء لليد
الأخرى.
السؤال هو: لماذا
هذه النسبة وليس نسبة 50% التي تبدو طبيعية أكثر، ومثل هذه النسبة محققة لدى
الحيوانات، ومتفاوتة قليلاً عند بعض القردة. أو لماذا لا يكون العكس! هل للوراثة
أثر في ذلك؟ الواقع ليس تماماً وإن كان هناك من أثر بسيط. فالزوجان ممن يستخدمون
أيديهم اليمنى ينجبون أولاداً يسراويين بنسبة من نحو 9%. وكذلك الأزواج ممن
يستخدمون اليد اليسرى معظم أولادهم (أكثر من 70%) يستخدمون يدهم اليمنى. والحال
نفسه للأزواج ممن يستخدم أحدهم اليد اليمنى والآخر اليد اليسرى إذ تصل نسبة
أولادهم اليسراويين إلى نحو 18%.
قال البعض بأن ذلك
مرتبط بتطور الإنسان، وهذا يعني بأن الإنسان البدائي كان يستخدم اليد اليمنى بمثل
ما يستخدم اليد اليسرى ثم تطور الأمر إلى استخدامه لليمنى بأكثر من اليسرى. ولكن
لا شيء من هذا. إذ تشير الدراسات إلى أن أدوات الإنسان، منذ أكثر من مليون سنة، كانت
أدوات لمن يستخدم اليد اليمنى فقط. إذاً كان اليسراويون قلة. وقال البعض بأن هذا
قد يكون أمر طبيعي. إذ إن تكوين الإنسان ليس متماثلاً تماماً. فالقلب مثلاً يقع
عادة في معظمه في النصف الأيسر في حين أن الكبد يقع في الجانب الأيمن. ولكن الأمر
قد يكون عكس ذلك في حالة من كل عشرة آلاف شخص دون أن يكون لذلك أي أثر. وحتى أن
من هو كذلك لا يعرف بأمر نفسه إلا عند مراجعة الطبيب. ولكن النسبة هنا هي 0.01%
وليس 10% في حالة اليسروايين. أي أن ذلك ليس من نشاذ الطبيعة.
وقيل بأن السبب الأكثر
رجوحاً، دون أن يكون قاطعاً، يقع في الدماغ. فكما هو معروف فإن الجزء الأيسر من
الدماغ يتحكم بالوظائف الحركية للجزء الأيمن من الجسم والجزء الأيمن من الدماغ
يتحكم بالجزء الأيسر. ولكن هذا لا يمنع من أن هناك وظائف أخرى يتحكم فيها كل جزء
من الدماغ دون الجزء الآخر. فالنطق يتحكم فيه الجزء الأيسر من الدماغ. والنطق
عملية معقدة للغاية عند التفكير فيها من تحريك لجزء من الشفاه واللسان والحنجرة
ورفع الصوت وخفضه وتنعيمه وتحشينه وكل ما هناك من مؤثرات تبحث عن هدف عند المتلقي،
الغناء مثلاً. وليس للجزء الأيمن سلطة على ذلك. أما الانتباه فيتحكم به الجزء
الأيمن من الدماغ. وهذا التوزيع في المهمات يمنع الازدواجية في المهمات من جهة
ويسمح للدماغ القيام بعدة وظائف في الوقت نفسه مثل الكلام والانتباه في الآن نفسه.
وبما أن الكلام يحتاج بشكل غير واع لحركات ترافقه تأكيداً أو نفياً مما أدى إلى
غلبة استعمال اليد اليمنى على اليد اليسرى في تنفيذ الأعمال اليدوية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق