هل يمكن التفكير بلا لغة؟ أيا ً كانت هذه
اللغة، وأياً كان مدى تطورها. يمكن القيام بتصرفات تبدو عقلانية عن طريق التقليد،
تقليد الآخرين، أو تقليد ما يمكن رؤيته. ولكن لا يمكن طرح سؤال والإجابة عليه بدون
لغة، حتى لو كانت لغة الإشارة، أو أي شكل بدائي من أشكال اللغة. اللغة المتطورة بمفرداتها وتعابيرها تسمح بدقة أكثر في صياغة الأفكار. وعبر اللغة نصوغ تصوراتنا عن المفاهيم في حياتنا.
وبما أن اللغات ليست متماثلة في مفرداتها ومفاهيمها، لذا فإن اختلافات وتباينات في
التصورات الخاصة بشؤون الحياة ستقع بالضرورة.
فالزمن مثلاً مفهوم موجود في بعض اللغات وليس
في كلها. ومن بين اللغات التي لم تعرف هذه الكلمة حتى نهاية القرن التاسع عشر هي
اللغة الصينية. والزمن بمفهومنا عنه
مرتبط بسيرورة الأشياء وحركتها. وهو بالنسبة لنا شيء يتحرك بسرعة ثابتة وباتجاه
وحيد، وهو بذلك يجعل لكلمات مثل السابق والراهن واللاحق معنى. وله اقتضاءات عديدة
مثل السببية، إذ لكل أثرٍ سببٌ سابق له. وقس على ذلك. ومفهوم الزمن على بساطته فيما يبدو،
مفهوم يصعب الإمساك به. فكما قال القديس الفيلسوف اغسطينوس في القرن الرابع-الخامس
الميلادي: إني أعرف ما هو الزمن إذا لم يسألني عنه أحد، ولكني لا أعرف كيفية
الإجابة في حالة السؤال. فهو ليس من المعطيات الثابتة في الطبيعة كالريح والماء والحجر، وليس شيئاً نستطيع الإمساك
به، وإنما هو اختراع إنساني.
يتطلب الزمن كما نعرفه بالضرورة وجود بداية
ونهاية. أما النهاية فتبقى أمراً مفتوحاً، نختصرها بالأبد. وهذا أمر لا
يعرفه الصينيون مثلاً، ولا يهتمون بالأبد. كما لا يوجد ماض وحاضر ومستقبل بالمعنى الحرفي للكلمات في
اللغة الصينية، وإنما هناك ذهاب وإياب، على نحو دائم، هناك حركة وتجدد دائمين، أي
نوع من الماضي والحاضر، ولكن لا مستقبل. وهم يرون الزمن من خلال فصول السنة ومددها.
فهناك فصول متباينة، والناس كائنات فصلية، تعيش من فصل لفصل، يختلف بحسبها الطعام
والملبس وترتيب البيوت، كما يختلف الجو باختلاف الفصول أيضاً. وفي الفصول نفسها يظهر
الاستمرار والتبدل، وهو تبدل ضروري للاستمرار بلا تيبس أو تكلس.
لكل فصل أجل معلوم.
ومن هنا يكون التصور الصيني للزمن عبر الفصول ومددها. وهو زمن متصل ومتكرر
باستمرار، يعود في كل عام، وكل عام يحمل التجدد في طياته. والفارق بين المدة
والزمن، هو أن المدة هي مدة شيء ما مثل الحياة، أو مدة الفصل أو مدة العالم. أما
الزمن فهو تجريد للمدد على شكل غلاف يضمها كلها. أي أن الزمن الصيني هو زمن دائري، يعود دائماً، في حين أن زمننا زمن خطي مستقيم. حياتنا واحدة لا تتكرر، وحياتهم قابلة للتجدد
والتكرار. وصور هذه الحيوات تكفلت برسمها الأديان والفلسفات بالدرجة الأولى، دون
أن يكون لأحد قدرة التوثق من أي شيء... إنه عالم التصورات كما يبدو.
ليس الخلاف فقط في الزمن ومعناه، وكذلك في فعل "الكون" الذي لا مقابل له في اللغة الصينية، أي إن كلمة "كان" ليست موجودة ولكن ربما أخواتها... ولهذا انعكاساته أيضاً على التصورات... وعليه فأسئلة كثيرة نطرحها ربما دون أن يكون لها وجود، وإنما هي اللغة التي تعطي مصوغاً لهذه الأسئلة ... هناك من يقول بأن ألوان قوس قزح هي سبعة وهناك من يقول بأنها تسعة، وهناك من لا يتحدث عن ألوانه البتة وذلك بحسب ألوان اللغات!
ليس الخلاف فقط في الزمن ومعناه، وكذلك في فعل "الكون" الذي لا مقابل له في اللغة الصينية، أي إن كلمة "كان" ليست موجودة ولكن ربما أخواتها... ولهذا انعكاساته أيضاً على التصورات... وعليه فأسئلة كثيرة نطرحها ربما دون أن يكون لها وجود، وإنما هي اللغة التي تعطي مصوغاً لهذه الأسئلة ... هناك من يقول بأن ألوان قوس قزح هي سبعة وهناك من يقول بأنها تسعة، وهناك من لا يتحدث عن ألوانه البتة وذلك بحسب ألوان اللغات!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق