لم تكن مسألة معرفة الوقت في مكان ما على سطح الأرض ذات أهمية قبل القرن التاسع عشر. ولم
تكن الساعة مستعملة إلا على نطاق ضيق قبل هذا القرن، وكانت ساعة موضعية مرتبطة بالمنطقة الموجةدة فيها لا تعتمد
أية مرجعية عالمية.
اقترح الإيطالي غريكو فيلبانتي في عام 1858 نظام تقسيم الأرض إلى 24 منطقة
زمنية، بحيث يكون الانتقال من منطقة زمنية إلى أخرى بفارق ساعة. تنطلق كل المناطق
من قطب من الأرض لتستقر في القطب الآخر. واقترح أن تكون المنطقة التي تقع فيها
روما هي المنطقة المرجعية، أي تنسب كل الأوقات بالنسبة إلى ساعة روما. وكل ما يقع
شرق روما يكون متقدماً عنها، وكل ما يقع إلى غربها يكون متأخراً عنها. ولكن إيطاليا لم تكن قادرة على فرض هذا النظام. وهو ما فعلته بريطانيا التي كانت لا تغيب الشمس عن إمبراطوريتها. ففي عام 1884
اجتمع ممثلو 25 دولة في واشنطن واتفقوا على أن تكون غرينتش الإنكليزية (حي في لندن
فيه المرصد الملكي) هي المرجع الزمني. عارضت فرنسا هذا الاختيار الذي كانت تفضل
عليه باريس، ولكنها اضطرت في النهاية لاعتماده في عام 1919! بالرغم من أنها اختيرت كموقع لإرسال الإشارات اللاسلكية الأولى من برج إيفل في الساعة العاشرة من صباح الأول من تموز عام 1913 وذلك لضبط
ساعات عواصم الأرض مع بعضها.
يمكن للبلد الواحد
في هذا النظام أن يكون مقسماً في أكثر من منطقة زمنية واحدة، كما هو الحال في
الولايات المتحدة المقسمة إلى أربعة مناطق زمنية، فالفارق الزمني بين نيويورك في
شرق أمريكا ولوس أنجلس الواقعة في غربها هو أربع ساعات.
لكن تطور وسائل النقل من سفن وقطارات في القرن التاسع عشر فرض ضرورة تحديد
الوقت بين مختلف المناطق الجغرافية. وكان لهذا بدوره أن يفرض مرجعية ما لتحديد الأوقات
بالنسبة لها. فالسفر من بريطانيا إلى أمريكا يتطلب تحديد ساعة الانطلاق وأيضاً
ساعة الوصول. وإذا افترضنا أن مكان الانطلاق يحدد ساعة الانطلاق، وإذا استخدم
المسافر هذه الساعة نفسها لمعرفة ساعة الوصول، فكيف سيضمن المسافر أن ساعته وساعة
شخص ينتظره في نيويورك مثلاً ستكونان متطابقتين؟ هذا لن يحدث إلا إذا كان للمسافر من
بريطانيا وللشخص الذي ينتظره في نيويورك المرجع الزمني نفسه.
شغلت هذه المسألة الكثيرين في القرن التاسع عشر. فقد كانت شبكة القطارات في
أمريكا تتحرك بمرجعيات زمنية مختلفة على سككها الحديدية في عام 1875
بلغت ثمانين مرجعاً مختلفاً، بين الشرق والغرب والجنوب والشمال، وهو أمر كان يسبب الكثير من المشاكل في حساب أوقات السفر
والوصول.
المناطق الزمنية للعالم |
المناطق الزمنية في الولايات المتحدة |
لم تحترم كل الدول
هذا التقسيم، فجعلت نفسها أحياناً في مناطق زمنية أخرى لاعتبارات مختلفة، سياسية
أحياناً، مثل مدريد التي وضعت نفسها في منطقة برلين الزمنية مع أنها يجب أن تكون
مع غرينتش، ولكن الجنرال فرانكو فضل زمن صاحبه هتلر على زمن المناطق!
بقي أن نقول: بما أن
كل المناطق الزمنية تلتقي عند القطبين، فكم ستكون الساعة في القطب الشمالي أو الجنوبي حيث تتلاقى كل المناطق الزمنية، عندما تكون الساعة
هي الثانية عشر ظهراً في غرينتش مثلاً؟ وكم ستكون ساعة مسافر خارج المناطق الزمنية،
مثل رواد الفضاء؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق