كما جاء في أحدى المقالات من أن الحدسية في الرياضيات هي دعوى يُعتقد بصحتها، ولم نعثر على ما يثبت
بطلانها، وكل الأمثلة التي نعرفها تؤكد صحتها، ولكن لم نتمكن من البرهان عليها، وعندما تتم برهنتها تصبح نظرية. أو أن
نتمكن من برهان بطلانها، أو تقديم مثال معاكس فسيكون كافياً لإثبات بطلانها. والحدسية
التي نحن بصددها اليوم تقوم على فكرة بسيطة مفادها الآتي: تصوروا أنكم تريدون وضع بلاط في أرض
المطبخ مثلاً. أصعب ما في الأمر سيكون رصف البلاط، الواحدة قرب الأخرى بلا اعوجاج.
وهنا يكون السؤال المهم: ما هو الشكل الهندسي للبلاطة الذي سيكون فيه صف البلاط بقرب بعضه
أسهل ما يمكن؟ أي يكون محيطه الخارجي أصغر ما يمكن، أو الحواف التي تتلاصق مع بعضها بين بلاطة وأخرى أصغر ما يمكن؟
يمكن التفكير في بلاط دائري مثلاً وسيكون رصفه هو
الأسهل، لأن تماس البلاطات ببعضها سيكون الأصغر (في نقطة واحدة)، ولكن المشكلة هي أن ذلك سيترك فراغات بين
البلاط، إذن هذا لن يكون مفيداً. لذا نعيد المسألة بالبحث عن كيفية تقطيع
مستطيل ما (أرض المطبخ) بأشكال متماثلة هندسياً (بلاط مربع أو مستطيل أو مثلث...)،
بحيث يكون التماس بين شكلين متجاورين أصغر ما يمكن؟
الجواب على هذه
المسألة معروف منذ القدم، وهو استعمال أشكال سداسية. لذا فإن أسهل بلاط يمكن
استخدامه في عملية بلاط المطبخ هو السداسي الأضلاع. ولكن برهان ذلك تطلب الانتظار
حتى عام 1999 ليبرهن صحته توكاس هالز. ولكن النحل عرف ذلك قبل هالز وبرهانه. ومع
هذا فيجب معرفة أنه إذا وضعت دوائر متماثلة ومتلاصقة ببعضها فسيكون بينها فراغات. ولكن
عند ضغطها من كل الأطراف بقوة متماثلة فإن شكلها الدائري سيتغير ليصبح سداسياً!
ربما هذا ما يحدث في خلايا شمع النحل، وهذا ربما كان الأساس في برهان هالز.
شكل كالفن الهندسي |
ولكن حدسية كالفن تسير
إلى أبعد من ذلك. فهو لا يتحدث عن أشكال هندسية مستوية، وإنما عن أشكال هندسية
فراغية. أي أن كالفن كان بصدد بلاط الشوارع. وكان ما اعتقده كالفن (1824-1907) بأن
ذلك يتحقق عبر جسم هندسي له 14 وجهاً، ثمانية منها سداسية الشكل والستة الأخرى
مربعة. وبقي هذا الاعتقاد سائداً حتى عام 1994، عندما تمكن الإيرلندي "وير" وتلميذه "فيلان" من إيجاد أشكال فراغية ذات سطوح أصغر من تلك التي اقترحها كالفن، ولكن دون أن
يتمكنوا من برهان أن أشكالهم هي الأصغر... أي أن حدسية كالفن خاطئة ليس إلا... كما
لم يعثر في الطبيعة على أشكال فراغية أصغر من تلك التي اقترحها كالفن، ولكن عُثر على ما يشبه مجسمات كالفن... أي أن الطبيعة لا تعمل بالضرورة بطرقة مثلى... مثلى هنا هي بحسب نظرتنا للأشياء!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق