يزداد اعتمادنا على
أجهزة وأدوات التواصل وتخزين المعلومات والبحث عنها لدرجة أنه في بعض المجتمعات،
حيث تتوفر الإنترنت بسرعات كبيرة وبشكل دائم، بدأت علامات ما يمكن أن نسميه
بعلامات مرض فقدان الذاكرة بالظهور، لدى مختلف الأجيال، وهو يعم كل مجموعات
المجتمع من النساء والرجال والكبار والصغار.
ففي دراسة إحصائية أجرتها
شركة كاسبرسكي الأمريكية في عام 2015 كشفت أو أكدت ما أصبح واضحاً للعيان. ومن بين
ما كشفته هذه الدراسة تأكيد أن 91.2% ممن شملتهم يستخدمون الإنترنت كامتداد
لذاكرتهم. كما أكد 44% من المشاركين أن هواتفهم الذكية تقوم مقام ذاكرتهم، إذ يوجد
فيها كل ما يريدون تذكره والوصول إليه بسهولة. وأكثر من ذلك فإن عدداً كبيراً من
مستعملي هذه الهواتف يبدون سعادة في نسيانهم أو المخاطرة بنسيان معلومات يمكنهم أن يجدوها
بسرعة أو العثور عليها مرة ثانية عبر الإنترنت. وعند مواجهة الأمريكيين لسؤال ما فإن
نصفهم سيبحثون في الإنترنت قبل محاولة التذكر، ومن اللافت أن 28.9% منهم سينسون
الإجابة التي وجدوها على الإنترنت في الحال تقريباً.
ومع أن نحو 68% منهم
يتذكرون رقم هاتف منزلهم عندما كان لهم من العمر 15 سنة، فإن نصفهم لا يتذكر
حالياً رقم هاتف أخوتهم أو أصدقائهم، كما أن 70% منهم لا يتذكرون رقم هاتف
جيرانهم. و34% لا يتذكرون أرقام هواتف أولادهم، و44% لا يتذكرون رقم هاتف مدارس
أبنائهم، و70% لا يتذكرون رقم هواتف أطبائهم... ولكن 69% منهم يتذكرون رقم
أزواجهم!... ولكن 50% من المشاركين أعربوا عن خوفهم الكبير، لدرجة الهلع، من فقدان جهاز اتصالهم.
وعوارض النسيان
الرقمي لا تخص الشباب الصغار، بل هي تمس الكبار أيضاً. إذ لوحظ أن من تزيد أعمارهم
عن الـ 45 عاماً يهرعون للبحث عن معلومة أو جواب على سؤال ما بواسطة الإنترنت، وتدوين
الإجابة أو نسيانها بعد استخدامها على أرضية أنهم سيجدونها مرة ثانية ان احتاجوها...
ولضرورة اكتمال
الدراسة، فمن الضروري مقارنة هذه النتائج مع نتائج بلد لا يعتمد كثيراً على
الإنترنت أو لا تتوفر فيه كما هو الحال في أمريكا من تطور تقاني وتطور في المحتوى...ولكن شركة كاسبرسكي أجرت هذه الدراسة لتؤكد على ضرورة حماية أجهزة التواصل وتخزين المعلومات من الفيروسات، وهي حماية تختص بها هذه الشركة وإلا فسنفقد ذاكرتنا!
هل هذا أمر يدعو
للقلق؟ لنتذكر أن البشرية مرت بأطوار مختلفة في مسألة تدوين وخزن المعرفة. فقبل
الكتابة كان الاعتماد على الذاكرة التي حفظت الشعر العربي القديم مثلاً. ثم جاءت
الكتابة، فأصبح للذهن متسع أكبر في شغله في التفكير بدلاً من إجهاد التذكر، وبدأت
المعرفة في النمو متسارعة وخاصة مع ظهور الطباعة، ثم جاءت وسائط التواصل مثل الكتب
الصحف والراديو والتلفاز لتزيد من كمية المعلومات المطروحة وتزداد معها كمية
المعرفة المولّدة وانتشارها. ومن المفروض أن يكون الأمر كذلك في حالة وسائل
الاتصال وتخزين ومعالجة المعلومات الحالية... فهل أساءت الآلة الحاسبة لتعلم
الرياضيات أو لإجراء الحسابات؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق