من السائد الاعتقاد بأن الدماغ الإنساني يكون
في أوج نشاطه في ريعان الشباب وأنه يضعف مع التقدم في العمر. إلا أن الدراسات
الحديثة تشير إلى أن نشاط الدماغ واتقاده وقدراته الإدراكية لا تخبو مع التقدم في
السن وإنما تتطور في مناح أخرى وهي تبقى كذلك إلى آخر العمر عندما يبدأ الدماغ في
المعاناة من السقم الذي يصيب مكوناته.
والأمر الواضح للجميع هو أن بعض قدرات الدماغ
تتحسن في وسط العمر (بين الأربعين والخمسين) مثل المقدرة على التعرف إلى المشاعر
والانفعالات وكذلك المقدرة على إدراك المعاني المختلفة للكلمات وكذلك المقدرة على
ضبط الاجهاد. أي أن الدماغ الإنساني يعتمد في هذه الفترة من العمر على خبرته
وتجاربه السابقة، وهذا أمر يستمر مع التقدم في العمر ولا ينحدر إلا في مراحل
متأخرة من حياة الإنسان.
والحال هذه فإن الدماغ الإنساني يمر بأطوار
لكل منها ما يميزها. فقد أثبتت دراسات أجراها معهد ماستشوستس للتكنولوجيا الأمريكي
الشهير بأن مكونات الذكاء المختلفة تصل إلى مداها في مراحل مختلفة من العمر. فسرعة
معالجة المعلومات تكون في أفضل حالاتها في سنّ الثامنة عشر، أما الذاكرة القصيرة
المدى فتكون في ذروتها في سن الخامسة والعشرين وتأخذ في التراجع بدءاً من سنّ
الخامسة والثلاثين. وفي دراسة أجريت على 600 بالغ تتراوح أعمارهم بين 11 و33 سنة،
تبيّن فيها أن المشاركين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 33 سنة حققوا أفضل النتائج
في المواضيع المعقدة مثل الرياضيات على عكس الشائع الذي يقول بأن المتعلم الأصغر
سناً هو الأقدر على التعامل مع المهام الإدراكية الأكثر تعقيداً.
وفي سويسرا، أجرى أحد مخابر شيخوخة الإدراك
الذي أجرى دراسات على أشخاص تتراوح أعمارهم بين 85 و 100 عام كانت نتيجتها أن
القدرة التكيفية (المرونة الدماغية) تبقة عالية جداً بالرغم من تأثرها قليلاً، وأن
هذه القدرة يمكن تحسينها بالتدريب المستمر، وبأن لمثل هؤلاء الأشخاص أن يتعلموا
لغة أجنبية، آخذين بالاعتبار أن مثل هذا التعلم سيكون متعباً أكثر لفئة كبار السن
منها للشباب.
مجمل هذه الدراسات تحملنا على الشك بالقول
السائد بأن التعلم يكون في الصغر فقط... فهو ممكن في الكبر كما هو في الصغر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق