كتبت السيدة ليسل يرسلي في مجلة "تكنولوجيريفيو" الخاصة
بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الأمريكي الشهير عن تجربتها ومشاهداتها بالنسبة
للذكاء الصنعي، التقانة التي ستتصدر العقد القادم وما يليه، وهي تقول:
لقد قرأنا جميعاً عن الذكاء الصنعي وبأنه
سيكون أكثر ذكاء منا، وأننا سنكون في المستقبل مجرد حيوانات أليفة وكل ما نأمله هو
أن يكون الذكاء الصنعي رؤوفاً. لقد وصلت إلى قناعة، عبر تجربتي التي راقبت خلالها
عشرات الملايين من حالات التفاعل بين البشر ومكونات محادثة صنعية أو إنساليات،
بوجود مخاطر أكثر مباشرة وكذلك بوجود فرص هائلة.
لقد كنت بين عامي 2007 و 2014 مديرة لشركة
كوغنيا Cognea،
التي كانت تقدم منصة لتوليد كائنات افتراضية معقدة باستخدام تشكيلات من التعلم
البنيوي والمعمّق. وقد استُخدمت تلك المنصة من قبل عشرات ألوف المطورين
والمبرمجين، من بينهم ست شركات من الشركات المائة الأولى على قائمة فورتشن، وقد اشترت
شركة آي بي إم واطسون هذه المنصة عام 2014.
وفي دراستي لتفاعل الناس مع عشرات ألوف
الكائنات الافتراضية التي شُكلت عبر تلك المنصة، فقد كان واضحاً بأن الناس هم أكثر
استعداداً مما يمكن أن نتوقع لإقامة علاقة مع كائنات الذكاء الصنعي. فقد كنت أفترض
دائماً بأننا نرغب بترك مسافة محددة بيننا وبين الذكاء الصنعي ولكني وجدت أن عكس
ذلك هو الصحيح. فالناس مستعدون دائماً لإقامة علاقات مع مكونات صنعية بشرط أن تكون
هذه المكونات معقدة البنية وقادرة على التمتع بشخصية خاصة بها بطريقة مركبة. فنحن
البشر نرغب فيما يبدو بالاحتفاظ بوهم أن الذكاء الصنعي يكترث بنا حقاً.
لقد حيرني هذا الأمر جداً إلى أن انتبهت إلى
أننا في الحياة اليومية نتواصل مع أناس كثر بطريقة سطحية، وبنوع من المشاعر
المؤقتة. فهل لهؤلاء الأصدقاء العابرين ألا يتجاهلوا رسائلنا إن أهملنا علاقتنا
بهم لفترة من الزمن؟ وهل لمدربنا الشخصي أن يمثلنا إن لم ندفع له أتعابه؟ بالتأكيد
لا، أما الكائن الصنعي فهو هنا دائماً في خدمتنا. وبشكل من الأشكال فإن علاقتنا
معه هي أكثر ثباتاً. وهذه الظاهرة مستقلة عن أن الكائن الصنعي قد صمم ليعمل في
المصرف أو مرافقاً أو مدرباً للرشاقة. فقد تحدث المستخدمون مطولاً إلى كائنات
الذكاء الصنعي وبأطول مما يفعلون مع أمثالهم من البشر. والناس مستعدون للكشف عن أسرارهم
الشخصية الدفينة وعن أحلامهم وتفاصيل حياتهم الحميمة وكذلك كلماتهم السرية لهذه
الكائنات الصنعية.
وهذه الروابط العميقة جداً تعني أن البرامج
الحالية البسيطة نسبياً يمكن أن تمارس تأثيراً كبيراً على الأشخاص سلباً أو
إيجاباً. فقد كان لنا في شركة كونغا تشكيل
أي تغيير سلوكي كنا نريده. فإذا كنا نريد لمستخدم أن يشتري منتجات أكثر، فقد كان
لنا مضاعفة المبيعات، وإذا كنا نريد انخراطاً أكثر في التعامل مع الكائنات الصنعية
فقد كان لنا أن نطيل التفاعل من عدة ثوان إلى ساعات أو أكثر من يوم.
لقد ضايقني ذلك جداً، لذا أخذنا بإرساء قواعد
في نظامنا بطريقة نضمن فيها أن سلوك المستخدم ينحرف بالاتجاه الإيجابي. وأطلقنا
مشاريع ذات أثر مساعد مثل كائنات صنعية للتدريب على بناء العلاقات أو على صحة
أفضل. ولكن القوى التجارية التي تقود التطور التقاني ليست بالقوى الخيّرة دائماً.
فالمؤسسات العملاقة الطليعية في مجال شبكات التواصل الاجتماعي والتجارة
الإلكترونية وغيرها تبحث عن زيادة المرور عبرها وعن الاستهلاك والاعتماد على تقنياتها. ولا ينتج هذا عن نوايا سيئة ولكنه ناتج عن طبيعة أسواق رأس المال التي لها أن تدفعنا نحو
التأثير في سلوكنا لتحقيق أهدافها.
لقد رأينا كيف أن تقانة مثل شبكات التواصل
الاجتماعي يمكن أن تكون قادرة جداً على تغيير المعتقدات والسلوك الإنساني.
فبالمثابرة على إقامة نشاط إعلامي مكثف يمكن إحداث تغيرات كبيرة في المجتمع. والأنظمة المصممة خصيصاً لتشكيل علاقات مع البشر
سيكون لها قوة أكبر. وللذكاء الصنعي أن يؤثر في طريقة التفكير وفي كيفية معاملة
الآخرين.
إن التعامل مع تقانة ذكاء صنعي مفتوحة أو مع
واجهات تعامل بين الحاسوب والدماغ أو تشكيل لجان أخلاقيات، ليست إلا جزءاً من
الحل. علينا أن نبني بوعي أنظمة تعمل لصالح الإنسان والمجتمع. أما زيادة عدد
الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي والتجارة الإلكترونية والاستهلاك فهي لا تحقق
ذلك. فالذكاء الصنعي يكبر وسيشكل الطبيعة الإنسانية وهوبحاجة إلى والدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق