يُعرف بجمال منظره خاصة بعد تساقط المطر وبقاء
بعضه رذاذاً في الجو تتخلله أشعة الشمس من خلفنا لنشاهده بألوانه الجميلة والتي يمكن
للعين أن تميز منها نحو 150 لوناً، ولكننا لا نسمى منها إلا سبعة هي: الأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والنيلي والبنفسجي. وكما نلاحظ فإن ستة من هذه الأسماء
هي أسماء ألوان أساسية ما عدا "النيلي" الذي يقال إن نيوتن أضافه إلى
مجموعة ألوان قوس قزح ليجعل منها سبعة أسماء متوافقاً بذلك مع درجات السلم
الموسيقي. بعض اللغات تسمي من هذه الألوان تسعة أسماء وأخرى ثلاثة فقط. وهذا ما كان
أرسطو يفعله في تميزه لثلاثة ألوان فقط هي الأحمر والأصفر والأزرق. ولرؤية قوس قزح يجب أن تكون الشمس خلفنا، حيث سيتشكل القوس واللون الأزرق في طرفه الداخلي والأحمر في طرفه الخارجي وباقي الألوان المرئية بينهما.
وأيا ما كان، فإن هذا القوس الذي نراه ليس متاحاً إلا لمن
كانوا في وضع مشابه لوضعنا، وقد لا يراه شخص يبعد عنا بضعة من مئات الأمتار. وهو
في كل حال لا يمكن الذهاب نحوه في محاولة للوقوف تحته أو الإمساك بطرفه، ومحاولة
ذلك ستجعله يختفي، ليس لأنه وهماً، بل هو حقيقة، ولكنها حقيقة مرتبطة بنا وبالموقع
المكاني الذي نحن فيه (طبعاً مع قطرات المطر والشمس من خلفنا)، واي محاولة للإمساك
بالقوس ستجعله يختفي بلا رجعة. إنه في حالته هذه يصلح مثالاً للتقرب من أفكار الميكانيك الكمومي التي تقول بأن أية محاولة لقياس خاصية من خواص الجسيمات الذرية ستنزع عنها
خاصية وجودها الواقع في كل مكان من فراغ الذرة وستسجنها عند قيمة ما، أي ستنزع
عنها حريتها اللامتناهية التي كانت تتمتع بها.
ولكن كيف يتشكل قوس قزح؟ كما ذكرنا فهذا
القوس عندما نراه تكون الشمس خلفنا ونحن مع الشمس ومركزه نشكل خطاً مستقيماً. يخفي
الأفق عادة قدراً كبيراً من القوس، وحجم القوس المرئي يختلف بحسب بعد الشمس عن
الأفق، فكلما اقتربت الشمس من الأفق كان القوس أكبر. كما أن للرائي أن يرى قوساً
أكبر إذا كان فوق مرتفع، كما يمكن رؤية الدائرة بأكملها من الطائرة. وعندما يبلغ
القوس حجماً كبيراً فعلاً يبدو وكأن قاعدتاه خلف الأفق.
تقوم الفكرة الأساسية على انكسار (حيود) الضوء.
وظاهرة الانكسار هي تلك التي نرصدها عند وضع قلم في كأس ماء حيث يبدو القلم وكأنه
انكسر عند سطح الماء. وقطرات المطر المعلقة في الجو ستقوم بالشيء نفسه عند محاولة
أشعة الشمس المرور فيها، حيث سيعاني شعاع الشمس الأبيض من انكسار أول يجعله يتفرق
إلى مجموعة أضواء (طيف) الضوء الأبيض، وعند وصوله هذه الأضواء إلى الجدار الداخلي
لقطرة المياه ستعكس جزئياً على سطح هذا الجدار لترتد ثم تنكسر مرة أخرى عند خروجها
من القطرة لتصل بعد ذلك إلى عين الرائي بألوانها المختلفة. يمكن للانعكاس أن يحدث مرتين
في قطرة الرذاذ قبل خروج الضوء منها مما يؤدي إلى ظهور قوس آخر فوق القوس الأول
ولكن بألوان معكوسة الترتيب، ويفصل بين القوسين نطاق معتم قليلاً يسمى بنطاق
ألكسندر.
وبدون فكرة انكسار الضوء لا يمكن فهم آلية
حدوثه، وهذا ما حاول أرسطو وآخرون بعده فعله دون أن يتمكنوا من ذلك. ولكن فكرة
انكسار الضوء في قطرات المياه أثيرت من قبل كمال الدين الفارسي وقطب الدين
الشيرازي في القرن الرابع عشر وفي ألمانيا نادى بها ديترش فون فرابيرغ. ولكن
ديكارت كان أول من درس الانكسار وصاغ قانونه الأساسي عام 1637، ولكن هناك من يقول بأن قانون الإنكسار كان معروفاً أيام العباسيين في القرن التاسع الميلادي وأن ديكارت كان على علم بالكتاب العربي الذي ذكر فيه ذلك. وكان لنيوتن فضل اكتشاف
طيف الضوء الأبيض عبر موشور وتحديد الألوان المشكلة لهذا الضوء والترتيب الذي تظهر
فيه.
بقي أن نقول إن قوس قزح يمكن أن يرى ليلاً
بفعل ضوء القمر، كما يمكن أن يكون سطحياً بفعل قطرات الندي، ولكن من المؤكد أننا
لن نعثر على الكنز المخفي عند أي من طرفيه المتصلين بالأرض... وإن كانت أساطير بعض
الشعوب تقول بأنه عبارة عن جسر يمر عليه الطيبون للذهاب إلى العالم الآخر أو مجرد وسيلة
سريعة للانتقال من مكان إلى آخر على الأرض... وفي كل الأحوال فهو الجميل الهارب أبداً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق