
ولكن الناس كلها بلا استثناء تغني في لحظة
ما، فلماذا نغني؟ يقول أحد العاملين في مجال علم النفس بأن الغناء يقطع أو يوقف التفكير
ويجعلنا نسترسل لعواطفنا. وهو أمر مريح جداً إذا كنا في حالة حزن، ودافق إذا كنا
في حالة فرح. وأنه يوقف المخاوف إذا كنا في حالة قلق. إنه تعبير عما نحن فيه بكل
بساطة. إنه ضماد للعواطف والمشاعر. البشر كلهم يغنون في كل أصقاع الأرض باختلاف
لغاتهم. والصوت الناشئ عن الغناء يصيب الجسم كله بنوع من الاهتزازات الخفيفة
المؤثرة. كما أن للغناء أن يكون بصوت مرتفع أو منخفض لا يسمعه إلا صاحبه أو يكون داخلياً
يترافق بتحريك أطراف أو أصابع أو لا شيء. وهو إحدى أبلغ وسائط التواصل، وفي معظمه تواصل مع النفس، كما يعبّر عن ذلك غناء الأمّ الحزينة والغناء الديني.
ومن المعروف فائدة الغناء لدى النساء
الحوامل، فغير أنه يساعدهن على ولادة أسهل نتيجة التعود على التنفس المنتظم المديد،
فهو وسيلة تخاطب مع الجنين تنتقل عبره اهتزازات صوت الأم إلى الجنين بكل ما فيها
من فرح أو تأثر. ولدى عامة الناس فهو يخفف
من أثر العواطف الجارحة والمخاوف ويهدئها كما أنه يمكّن من ترك النفس تستمتع
باللحظة الراهنة بإيقافه للهواجس وهو يجلب السرور ويرافقه. وربما يفسر هذا لما تغني الناس
أثناء الاستحمام، وهو أمر تشترك فيه كل ثقافات الأرض.
والغناء الغناء يحتاج إلى تدريب، ولكنه تدريب
يسير ومتاح لكل الناس. والغناء الجماعي هو الأبسط ولا يحتاج إلى أي تدريب خاص أو
صوت مميز.. وهو مريح يماثل أثره أثر الرياضة الجسدية. فبعد ساعة غناء يمكن أن
نشعر بالتعب، التعب الجسدي. فالغناء يحرك العضلات من البطن إلى الفم ويضبط إيقاع
التنفس من الرئتين مع عضلات الصدر. ولمن يريد النوم براحة وعمق أن يغني بعض الوقت،
أو سماع غناء هادئ ... كما هو حال الأطفال الذين ينامون على صوت غناء أمهاتهم...
الغناء عرفه الإنسان منذ القدم، وهو قبل الآلات الموسيقية، واستخدم كثيراً في التراتيل الدينية كما تشير إلى ذلك أولى الوثائق التاريخية. وهو اليوم صناعة كبيرة جداً لها نجومها وروادها الكثر. ...لنا جميعاً أن نغني ونسعد بغنائنا، لكن ليس
لنا جميعاً أن نسعد بالرياضيات... ونحن نعرف الكثيرين من مشاهير المغنين ولا نعرف عموماً أياً من مشاهير الرياضيات! ولما لا، فالناس يتذوقون الغناء في غالبيتهم الغالبة، ولكن قلة قليلة للغاية تتذوق الرياضيات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق