قبل أن يصنع الإنسان الثياب صنع النسيج، ولصنع النسيج صنع الإنسان الخيوط،
وصنع الخيوط استغرقه مئات آلاف السنين. فهو لم يغزل الخيوط عن قصد ودراية إلا منذ
حوالى 25 ألف سنة. وكان غزل الخيوط بدائياً جداً. والمقصود بغزل الخيوط هو فتل
الشعر الحيواني المنشأ أو ألياف النبات، كليف القنّب مثلاً، مع بعضها لتشكيل جديلة
يتعلق ثخنها بكمية الشعر أو الألياف المشاركة في تشكيل الخيط-الجديلة.
وفي بداية الغزل كانت تؤخذ خصلات من الشعر أو الليف وتفتل باليد على أسفل
الفخذ لتشكيل قطعة من خيط بطرف تبقى شعيراته أو أليافه حرة، ثم تؤخذ خصلة أخرى تضاف
إلى الطرف الحر لقطعة الخيط الأولى التي ستتشابك شعراته أو أليافه مع شعرات أو
ألياف الخصلة الجدية، ويتابع الفتل باليد على أسفل الفخذ وهكذا حتى يتم تشكيل
الخيط بالطول المطلوب.
وفي مرحلة لاحقة، أصبح الشعر أو الليف يشدان إلى حجر، ثم يؤخذ بفتلهما
لتشكيل الخيط أو الحبل! وفي مرحلة متقدمة اخترع الإنسان المغزل.
والمغزل هو عصاً صغيرة يتراوح طولها بين 20 إلى 25 سنتيميتر بُلّف عليها الخيط المغزول. كانت المغازل الأولى
ذات فتحة أو شق يثبت فيها طرف الخيط، بعد ذلك وضعت لهذه الغاية سنارة من العظم.
يمسك بالشعر
أو الليف بيد ويمسك بالمغزل باليد الأخرى، الذي يترك متدلياً قليلاً من هذه اليد
ويجري فتله إما عبر تدويره على أسفل الفخذ أو أية وسيلة أخرى تضمن فتل الشعر أو
الليف لتشكيل الخيط. وكلما زادت كمية الخيط حول عصا المغزل كلما أصبح فتل المغزل
أسهل.
حدث تطوير آخر على المغزل تمثّل في إضافة وزن يسمى "دوارة المغزل" في الجزء السفلي من عصا المغزل، تسمح بدوران المغزل لفترة أطول ومن ثم فتل أفضل للخيط وثبات أفضل. وهذا الوزن
هو من حجر أو خشب أو آجرّ أو معدن على شكل قرص. هذه الإضافة تمت منذ حوالى عشرة
آلاف سنة.
بعد ذلك اخترعت مغازل تقوم على مبدأ فتل الخيط نفسه، ولكن بحيث يكون فتل
الخيط بطريقة أسرع وأفضل، وذلك باستخدام دواليب يمكن تحريكها بإحدى القدمين أو تحريكها ميكانيكياً بواسطة محركات كما هو الأمر في المغازل الحديثة.
عاشت أسر كثيرة في العالم عبر التاريخ على مهنة غزل الخيوط وكانت هذه مهنة امتهنتها النساء. وتقول الأسطورة أن بينولوب انتظرت أوديس عشرين سنة أمضتها في غزل خيوط لثوب كانت تتعلل بضرورة إنهائه قبل أن توافق على زواجها من أحد خاطبيها، فقد كانت مثال الوفاء لحبيبها أوديس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق