تمكن المهتمون بالبيئة من إحداِث نقلة نوعية في المفاهيم البيئية التي بنيت على أساسها الكثير من الآليات
القانونية البيئية التي انبثقت منها مباشرة سياسات واستراتيجيات متطورة اقتصادية واجتماعية وذلك على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية.
يقول البروفسور غاريت
هاردن في مقاله بعنوان "مأساه المشاع" إن مصدر المشاكل البيئية هو النزاع
بين" المصالح القصيرة الأمد للأفراد" مقابل مصالح الحفاظ على الحضارة والأرض نفسها". ويضيف هاردن، بما معناه، بأن الأفراد يسعون للحصول على
الفوائد قصيرة الأمد من مناطق المشاع بأقصر فترة زمنية ممكنة. أما إذا وزعت مناطق
المشاع على الأفراد، وبالتالي سيصبحون ملاكاً لهذه المناطق وبالتالي سيسعون الى
تخطيط واستثمار هذه المناطق لأطول فترة ممكنة. يقصد بالمشاع (أو المشترك) في هذا
السياق هي المناطق أو الموارد التي لايملكها أحد. يمكننا أن نطبق مفهوم المشاع إذا أردنا على الموارد الأرضية كالمياه والتربة والغابات والأحراج والمراعي والموارد
البحريه كمناطق صيد الأسماك الخ.....
أظهرت الاحداث بأنه مهما
كان النظام السياسي السائد في منطقة ما، أكان مبنياً على هيمنة الأفراد على الموارد أو مبنيا على هيمنة المؤسسات عليها فكلا النظامين أديا إلى تدهور حالة الموارد
الطبيعة نوعاً وكماً نتيجة النظر إلى المصالح والفوائد قصيرة الأمد لمكونات
التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وكرد فعل على هذا
التدهور، جاء مفهوم الاستدامه ليخلق تحولا منتظما في الوعي البيئي. فالاستدامة هي
البحث عن الاستقرار البيئي والتقدم البشري الذي يمكن أن يستمر على المدى الطويل.
ومن هنا جاء الشعار او المقولة "التنمية المستدامة تفي باحتياجات الحاضر دون
المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها".
يستند مفهوم الاستدامة إلى
الأسس التالية:
-الاهتمام بالبيئة والاقتصاد والعدالة الاجتماعية والعلاقات المتبادلة بينها
-العلاقة الوثيقة بين
بقاء الإنسان ورفاهيته وصحة الموارد الطبيعة (موارد مائية نظيفة، وهواء نظيف، وغابات
وتربة بحالة جيدة وتنوع بيولوجي ...)
-الإقرار بمحدودية النظم
الآيكولوجيه والآثار الضارة عليها نتيجة تنفيذ الخطط التنموية غير المراقبة.
ومنذ اللحظه الأولى
لإطلاق مفهوم الاستدامه في مؤتمر ريو ١٩٩٢، بدأ النزاع حول أدوات تطبيقه بين
السياسيين والاقتصاديين وعلماء الاجتماع والبيئة. وظهر الخلاف الأكبر بين الدول
النامية التي تسعى الى تنفيذ خطط تنموية طموحة والدول المتقدمه التي ترغب
بالاستفاده من مفهوم الاستدامة لتسخير مبدأ الحفاظ على الموارد الطبيعية لمصالحها
السياسية والاقتصادية.
ففي هذا السياق حاولت الدول المتقدمه، وما زالت تحاول، التدخل في شؤون الدول الأخرى بحجة الحفاظ على الموارد الطبيعة للأرض ضاربة بعرض الحائط مبدأ السيادة الوطنية على الموارد. وفي المقابل فالدول النامية تطرح فكرة المسؤولية عن الضرر الذي ألحق بالموارد الطبيعة نتيجة خطط التنمية التي نفذتها الدول المتقدمة سابقا وتطالب بالتعويض عنه إضافة للسماح لها بتنفيذ خطط تنموية طموحة لدعم اقتصادها ونموها الاجتماعي. وما زال هذا النزاع قائما في المحافل الدولية والإقليمية.
المقال القادم بعنوان "التوجه نحو أهداف التنمية المستدامة".