إنه الأمريكي ريتشارد تالر
الأستاذ في جامعة شيكاغو البالغ من العمر 72 سنة عن أعماله حول الآليات النفسية
والاجتماعية التي تقف وراء قرارات المستهلكين والمستثمرين. درس تالر في مدرسة شيكاغو
التي أسسها ميلتون فريدمان. ومن خريجي هذه المدرسة حُصد عدد لا باس به من جوائز
نوبل.
وهذه الجائزة منحت عن موضوع
يتعلق بالسلوك الاقتصادي. ففي مجال الاقتصاد غالباً ما اعتبر الإنسان بأنه كما يجب
أن يكون، أي عقلاني ولديه كامل المعلومات وأن سيّد قراره وأنه يعرف صالحه. ولكن
هذا ليس سوى محض خيال. فالإنسان الذي هو نحن جميعاً، هو ذو عقلانية محدودة وخياراته
الاجتماعية متحيزة عموماً، وهو لا يضبط نفسه دائماً. فالإنسان كما قال عنه الشاعر
الروماني أوفيد "أرى الخير وأقر به، ولكني أفعل السوء"!
ومن هنا كانت أهمية أعمال تالر،
الذي بيّن كيف أن لبعض الخصائص الإنسانية، مثل محدوديات العقلانية والمرجعيات
الاجتماعية أن "تؤثر بانتظام على قرارات الأفراد وتوجهات الأسواق" كما
جاء في بيان لجنة نوبل للاقتصاد الذي أضاف أن تالر قد "نظّر لمفهوم المحاسبة
الذهنية Mental accounting"
التي تشرح طريقة الأفراد في "تبسيط اتخاذ القرار في الأمور المالية بخلقهم
لحيزات منفصلة في رؤوسهم في عملية تركيزهم على أثر كل قرار فردي بدلاً من الأثر الكلي".
وهذا أمر يظهر مثلاً عند هؤلاء الذين يتقفون عن العمل بمجرد كسبهم ما يقدرونه
ضرورياً ليومهم، مثل سائق التكسي الذي يعود إلى بيته بمجرد أنه حقق القدر الذي يريده من المال، وهذا يعني أنه
سيعود إلى بيته باكراً إن كان هناك الكثير من الزبائن، وأنه سيتأخر في العودة إن
لم يعثر على ما يكفيه. وهذا ليس بالسيناريو العقلاني وضوحاً.
كما أن تالر "أظهر أيضاً
كيف يمكن لكراهية الخسائر أن تفسر سبب إيلاء الأفراد قيمة أكبر لشيء إذا كانوا
يملكونه مما لو كانوا لا يملكونه". فعند حصولهم على زيادة في رواتبهم وإن
كانت بأقل من التضخم فهذا يبهجهم، ولكن تخفيض رواتبهم حتى لو انخفضت الأسعار أو
عملوا ساعات أقل فإن هذا سيمقتونه.
وعندما علم تالر بفوزه بجائزة
نوبل وبأنه سيحصل على نحو مليون دولار قال معرباً عن سعادته بذلك وأكد بأنه سينفق
هذه الأموال بطريقة غير عقلانية!.
وبهذا تكون الولايات المتحدة قد فازت
بنصيب الأسد من جوائز نوبل لهذا العام، إذا فازت بجائزة الطب والفيزياء والاقتصاد
وشاركت في جائزة الكيمياء، ومثل هذا أمر طبيعي إذا أخذنا بالحسبان الاهتمام الكبير
الذي توليه الولايات المتحدة بالبحث العلمي والمبالغ الطائلة التي تنقها في هذا
الخصوص مما يستقطب إليها خيرة الباحثين في هذا العالم، هذا طبعاً إن تركنا جانباً
ما تنفقه الشركات الخاصة في هذا المجال. وما علينا في هذا الخصوص إلا أن ننظر إلى
أنشطة غوغل!، ولكنها لم
تفر بجائزة نوبل للآداب ولا جائزته للسلام، لا بل هي من أكبر من عارض موضوع هذه الجائزة لهذا العام!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق