النحت هو صنع الأشكال، أشكال
آدمية أو غيرها، حقيقية أو وهمية، مطابقة تماماً لما تمثله أو تحاكيه أو تُستمد
منه... وحتى منها الكاريكتورية والانطباعية والرومانطيقية وكل ما نريد. لكن النحت
يبقى من أكثر الفنون المجهولة لدى الجمهور، الجمهور الذي يعجب بأعمال النحت الضخمة
لما تمثله من معنى أو تخليداً لذكرى، ولكن نادراً ما يكون إعجابه لما في المنحوتات
من فنّ، علماً بأن فيها من الفن الكثير، ومن الفنّ أعظمه. ربما لأنها ليست موضوعاً
للاقتناء كما اللوحات التي يثير وجودها على الجدران دفئاً وجمالاً وبهاء وقيمة
يصعب على المنحوتات أن تفعله.
|
نحت كاريكاتوري للفرنسي هونوري دوميه القرن التاسع عشر |
والنحت يحتاج إلى فراغ أو مشغل
أكبر من مشغل الرسم، وهو يحتاج إلى مواد لها حجم أكبر بكثير من مواد الرسم وأدوات
أيضاً أكثر بكثير من تلك التي يحتاجها الرسام، وهو يحتاج إلى عضلات خاصة لدى العمل
على منحوتات رخامية، وهذا قد يفسر ربما غياب الإناث عن هذا الفنّ. يحتاج النحت إلى
الجص أو مواد أخرى لتشكيل النماذج، ويحتاج إلى الصخر أو الرخام أو المعدن للوصول
إلى الشكل النهائي. وهو قد يكون بالإزميل وأدوات الحفر كما حالة الحجر والخشب أو
يكون بالتشكيل واللحام كما في حالة الحديد، أو اليدين العاريتين عند التعامل مع
الجص أو أنواع من الطين لتشكيل النماذج. وهو قد يكون جدارياً نافراً نفوراً بسيطاً
أو عميقاُ أو منفصلاً متكمل الأبعاد، وهو في كل الأحوال ثلاثي الأبعاد، وبلا ألوان
إلا ألوان الرخام أو الحجر أو المعدن.
|
منحوتة الزهرة العاجيّة |
عُرف النحت قبل الحضارة المصرية
أو السومرية. أولى المنحوتات كانت من الطين، وهي تشكيلات أكثر منها
"منحوتات"، يعتقد أنها صنعت تقرباً من الآلهة ابتغاء أمر ما. ولكن أولى
المنحوتات التي عثر عليها حتى الآن فتعود إلى نحو 23 ألف سنة، أطلق عليها اسم
"الزهرة"، ولتميزها عن تماثيل الزهرة الإغريقية والرومانية فقد أضيف إلى
اسمها اسم المدينة التي وجدت بقربها "ليبيغ". هذه المنحوتة مصنوعة من
عاج الماموث، عُثر عليها في جنوب فرنسا بقرب الحدود الإسبانية في مغارة
"ريدو" عام 1922، وهي موجودة الآن في متحف الإنسان في باريس، طولها نحو
15 سم. منحوتات أخرى تعود إلى أوقات أقرب منها في جنوب فرنسا أيضاً ومنها في جنوب
تركيا بقرب الحدود السورية في موقع يدعى غوبكيل طيب، وهو يعود إلى 14 ألف سنة خلت،
عثر فيه على تماثيل لحيوانات من طين لا تظهر ملامحها جليّة، يشبه بعضها إلى حد ما
الوز والثعلب والسلحفاة والخنزير البري.
|
النحت الرملي في ألمانيا |
مر النحت في فترات تاريخية هامة
خلّدت حضارات بأكملها وهي، إضافة إلى البقايا المعمارية، أحد أهم الوسائل لدراسة
التاريخ القديم، من سومر إلى مصر إلى الإغريق والرومان والإنكا والصين والهند...
ومدن كثيرة اليوم تعرف بتماثيلها التي أصبحت مكافئاً لها كما هو حال نيويورك
وتمثال الحرية، وتمثال حورية البحر في كوبنهاغن وريو دو جانيرو وتمثال المسيح المخلّص... واليوم تشتهر دول
باحتفلات النحت، النحت الزائل، منه النحت على كتل الجليد أو الثلج كما هو الحال في مدينة سابورو في اليابان والنحت الرملي كمثل ذلك
الذي يجري سنوياً في ألمانيا على شاطئ البحر... وللقصة تتمة وتتمات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق