لا يتوقف الإنسان عن التفكير، حتى
وهو نائم، بمعنى انشغال الذهن في عمليات ليست كلها مفيدة بالتأكيد، بمعنى أنها لا
تساهم بالضرورة في تشكيل قناعات عقلانية. فقد يكون الذهن مشغولاً بلون الجدار الذي
نراه أمامنا أو بالطعام الذي سنتناوله في اللحظات القادمة، وقد يكون مشغولاً في
الوظيفة الشاغرة التي نفكر بالتقدم لشغلها. وهذه الأخيرة تتطلب منا تفكيراً جدياً
يستدعي ما نسميه بالتفكير النقدي critical thinking للتحضير
للوصول إلى هذه الوظيفة.
فما هو التفكير النقدي؟ هو تفكير
عقلاني يعتمد في سيرورته على فرضيات معقولة ومعلومات ذات مصداقية عالية وخطوات
محاكمة منطقية تمهيداً للوصول إلى خلاصات باحتمالية تحقق عالية. وهذا يستدعي عدة
مهارات من أهمها:
·
السير والتحليل: بمعنى القدرة على فهم المعلومات المتعلقة بأمر ما بطريقة بسيطة،
وطرح كل الأسئلة عن مضمونها، وتفسيرها من منظور شخصي، وإعادة صياغتها على نحو
واضح، وتقليب الأمر من مختلف أوجهه.
·
المحاكمة: بمعنى التساؤل عن التناقضات المحتملة والنواقص
في المعلومات المعروضة
·
الاستنتاج المنطقي: استخلاص النتائج التي تؤدي إليها
المعلومات.
·
التقييم: بمعنى تقيم صلاحية المغزى الكامن وراء هذه
المعلومات.
·
الموضوعية: بمعنى التقييم المنصف وبدون انحياز.
·
طرح حلول: تقديم أفكار عملية لما يمكن أن يكون إجابة على
السؤال المطروح.
·
التفكير العقلاني: بمعنى استخدام قواعد التفكير من
استنتاج واستنباط واستدلال.
بعض المهن تقوم بالدرجة الأولى على التفكير النقدي
كمثل الطب وما يدور في فلكه، وكذلك السياسة، وكذلك اكتساب المعرفة بالتعلم
وبالتجربة.
وفي مثال التقدم إلى وظيفة، فيجب أولاً
جمع المعلومات الخاصة بهذه الوظيفة والتدقيق فيها وصياغتها بطريقة واضحة لا لبس
فيها، وتحديد فيما إذا كانت مناسبة بالمجمل. ومن ثم معرفة إذا كانت مؤهلاتنا تسمح
بالتقدم لها وعلى نحو أكيد. ومن ثم تحضير الإضبارة كاملة غير منقوصة، وأخيراً
التحضير للمقابلة وتصور كل الأسئلة والأجوبة الممكنة. ومن المنطقي أن تكون الوظيفة
من نصينا أو نكون بين من سيقع عليهم الخيار النهائي إذا كنا بين أفضل المتقدمين
إليها، ذلك أن صاحب العمل يهمه بالدرجة الأولى مصلحة أعماله قبل كل شيء. وفي حال
عدم حصولنا على الوظيفة فيجب البحث عن أسباب عقلانية وعدم الاختباء وراء أسباب
واهية.
هذا النمط من التفكير العقلاني هو
نقيض التفكير الغيبي والمؤامراتي والتبريري الذي يريد الوصول إلى نتائج محددة
مسبقاً فيصنع المبررات والمصوغات لها سلفاً على النمط الديماغوجي. فالطبيعة تسير وفق قوانينها دون أن
تحدد النتيجة مسبقاً وإلا لقالت للأمر كن فيكون!
تمارس دول كثيرة هذا النمط من
التفكير في التعليم، ذلك أن من يستطيع التفكير بطريقة سليمة سيصل إلى المعلومات
التي تحاول المدرسة التقليدية إيصالها للطلاب عن طريق الحفظ. والحفظ هو طريق غير
خلاق يعلم صاحبه التكرار أكثر من أي شيء. وفي التاريخ الإسلامي ظهرت مدرسة
المعتزلة في القرن الثامن الميلادي كانت تدعو إلى إعمال العقل في كل شيء باعتباره
أقصر الطريق للوصول إلى "الحقيقة".... ويقول اليوم أنصار التفكير النقدي
أنه يمكننا تعلم ذلك بإدخال قدر من الفلسفة في التعليم في صفوف مبكرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق