لا يخلو شعب من فنان معاصر يتمتع بشهرة في مجتمعه، ولكن الفنانين الذي بقيت
لهم شهرة بعد موتهم ليسوا بالكثر. وهذا يعود إلى أنهم تركوا شيئاً مميزاً لم يستطع
الزمن أن يمحوه بل حافظ على سحره. القصائد الجميلة لا تبلى، وكذلك الموسيقا الجميلة
تبقى على مر الدهر، ومثلها اللوحات الجميلة وغير ذلك من الأعمال الفنية. وهو في
الواقع أمر يميز العمل الفني عن باقي الأعمال الإنسانية.
ومن بين المغنين الذين بقيت أسماؤهم خالدة، على الأقل في مجتمعاتهم، المغنية
الفرنسية إديت بياف. ولدت عام 1915 وتوفيت عام 1963 في باريس. كانت والدتها لين مارسا فقيرة
جداً فعهدت بها إلى جدتها الجزائرية الأصل إيما سعيد بن محمد التي لم تعرف كيف
تعتني بهذه الطفلة إلى أن عاد أباها من الحرب العالمية الأولى فعهد بها إلى جدتها
لأبيها التي كان وضعها أسوأ من وضع جدتها لأمها، فقد كانت هذه تدير بيتاً للهوى. أصيبت بمرض في عينيها وكادت تصاب
بالعمى، لأسباب نفسية في الغالب، ولكنها شفيت عقب زيارة إلى إحدى الأماكن المقدسة مما جعل منها امرأة مؤمنة
جداً. تعود بعد ذلك إلى رعاية أبيها الذي كان فنان سيرك، حيث أخذت بغناء الألحان
الشعبية التي كانت ترددها في الشوارع كسباً للمال. وتبدأ حياتها الفنية مع شاب سُميّ
مومون يغنيان معاً في الشوارع والحانات لمدة خمس سنوات، إلى أن اكتشفها لوي لوبلي
عام 1935 الذي كان مديراً لكباريه في باريس، وأصبح فيما بعد بمثابة أبيها بالتبني
وأعطاها اللقب "بياف" الذي يعني "عصفور". وكان يسميها
"الطفلة العصفور لقصر قامتها التي لم تزد عن 147 سنتيمتراً. وفي عام 1936 أنتجت
أولى أسطواناتها باسم "أطفال الجرس" الذي لقي نجاحاً كبيراً. قتل أبوها
بالتبني في حادث غامض وكاد هذا أن يقضي على حياتها الفنية، لكن اثنان من الملحنين
المعروفين في ذلك الوقت، من بينهم ريمون أسو الذي عملت معه لفترة طويلة، قدما لها
ألحاناً بقيت خالدة. وهذا ما مكنها من أن تغني في الصالات الكبيرة لتبدأ طريق
شهرتها. ومن بين أشهر أغانيها أغنية "الحياة الوردية" التي كتبتها هي وأصبحت
فيما بعد من أكثر أغانيها شعبية. تقول بعض كلماتها:
عينانه تجعلان عيناي تغمضان
ضحكة تتلاشى على ثغره
هذه هي الصورة بدون لمسات
للرجل الذي أعود إليه
عندما يأخذني بين ذراعيه
يكلمني همساً
فأرى الحياة وردية
ولكن بالرغم من نجاحها الفني فقد كانت حياتها الشخصية مليئة بالكوارث. فقد
أحبت بطل العالم في الملاكمة الفرنسي مارسيل سيردان الذي قتل في حادثة طائرة عام
1949. وبدأت بتعاطي المورفين لتهدئتها، وهنا غنت "نشيد الحب" و "يا
إلهي" في ذكراه. وفي عام 1951 تتعرف على المغني الفرنسي شارل أزنافور الذي
أصبح رجل كل المهمات في حياتها وكتب لها بعض الأغاني. وشجعته بدورها على المضي في
التأليف والتلحين والغناء، كما كانت ساعدت من قبله المغني والممثل الفرنسي المشهور
إيف مونتان، وكذلك كانت وراء انطلاق جورج موستاكي المغني والملحن والمؤلف الفرنسي
الشهير، الذي ألف لها أشهر أغانيها "ميلور".
كانت صحتها في تراجع مستمر لإدمانها على المهدئات وتوفيت عليلة عام 1963.
اشتهرت بصوتها الجذاب والقوي والألحان
الجميلة. ولا تزال إلى اليوم بالنسبة للفرنسيين أيقونة الغناء الفرنسي.
الفيديو التالي هو لأغنية "ميلور" مع مقدمة في الإنكليزية بصوت بياف نفسها.
الفيديو التالي هو لأغنية "ميلور" مع مقدمة في الإنكليزية بصوت بياف نفسها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق